لماذا يعمل الناس في بعض البلدان ساعات أكثر من غيرهم؟ التفسيرات الأكثر شيوعا لها علاقة بالقوانين التنظيمية للعمل والضرائب، ولكن أي شخص يسافر كثيرا سوف يلاحظ أن قيمة العمل وأوقات الفراغ مختلفة في أماكن مختلفة. إذا كان هذا يبدو تحيزا، دعونا ننظر في نتائج اثنين من الاقتصاديين ومقرهما الولاياتالمتحدة في ورقة عمل جديدة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وفي تلك الورقة، ناجي موجان ولويزا بوجوريلوفا، وكلاهما من جامعة ولاية لويزيانا، يبينان أن من بين الدول الأوروبية، «ثقافة وقت الفراغ» تعتبر من العوامل الهامة التي تحدد مقدار الوقت الذي يقضيه الناس في العمل. وفي عام 2004، برهن إدوارد بريسكوت، الذي حصل على جائزة نوبل للاقتصاد في ذلك العام، على أنه كلما ارتفع معدل الضريبة الهامشية الفعلي على دخل العمل- أي الحصة من كل دولار يكسبه العامل وتختاره الحكومة لإعادة التوزيع– قلَّ عدد الساعات التي يقضيها الناس في العمل. الجانب المهم في الموضوع هو أن معدل الضريبة في هذه المعادلة يشتمل على مساهمة صاحب العمل، وبالتالي فإن الشركات هي أقل اهتماما في الحصول على المزيد من العمل من الناس إذا كان يتوجب عليها التخلي عن المزيد من الدخل الناتج عن ذلك. وكان هذا الاكتشاف غير متوقع حتى بالنسبة لبريسكوت نفسه. حيث كتب يقول: «أنا مندهش من أنه عمليا فإن جميع الاختلافات الكبيرة بين عرض العمالة في الولاياتالمتحدة وعرض العمالة في ألمانيا وفرنسا تعود إلى الاختلافات في الأنظمة الضريبية. كنت أتوقع أن تكون القيود المؤسسية على تشغيل أسواق العمل وطبيعة نظام إعانات البطالة هي التي تحتل أهمية كبرى». وبسبب بساطته، كثيرا ما تم الطعن باستنتاج بريسكوت. كتب أوليفييه بلانشار، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، ورقة في عام 2006 تبين أن النظرية الضريبة لا تستطيع دائما تفسير الاختلافات في عرض العمالة: كان هناك الكثير جدا من التعقيد. ويركز كل من موجان وبوجوريلوفا في العمل على الاختلاف بين الدول الأوروبية، استنادا إلى الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهما يؤكدان على الصلة بين معدلات الضرائب والعمل. على سبيل المثال، العاملون في بلجيكا، المثقلون بمعدل الضرائب الهامشية بنسبة 57 في المائة، عملوا في المتوسط 989 ساعة في عام 2012؛ في حين أن البرتغاليين، مع معدل ضريبة 41 في المائة، عملوا 1237 ساعة. ومع ذلك الباحثان تمكنا من عزل شيء آخر في شبكة معقدة من الدوافع التي تحدد كيفية عمل الكثير من الناس: مواقف الناس اتجاه العمل والترفيه. للقيام بذلك، استخدما أداة ذكية: اختارا عينة مكونة من 7 آلاف شخص من الجيل الثاني من المهاجرين الذين يعيشون ويعملون في 26 دولة أوروبية. هؤلاء الناس خاضعون لنفس البيئة الضريبة والتنظيمية التي تنطبق على العمال المولودين في البلاد، ولكن من المرجح أن يكونوا «متأثرين» بمواقف آبائهم نحو العمل وأوقات الفراغ، والمستوردة من بلدانهم الأصلية. اعتمد موجان وبوجوريلوفا على بيانات من «مسح القيم العالمية» ومن «دراسة القيم الأوروبية»، التي سألت الناس في كثير من البلدان حول هذه المواقف على مر السنين، من خلال أسئلة من قبيل: «اذكر مدى أهمية وقت الفراغ في حياتك»، «هل توافق على هذه العبارة: الناس الذين لن يعملوا سيصبحون كسالى؟» و«هل توافق على أن العمل يجب أن يأتي دائما في المقام الأول حتى لو كان ذلك يعني وقت فراغ أقل؟». وبمقارنة الفرق في آراء الناس حول هذه المواضيع والفرق في ساعات العمل بين الجيل الثاني من المهاجرين والعمال المولودين، وجد موجان وبوجوريلوفا علاقة صحيحة إحصائيا بين «ثقافات الترفيه» والساعات التي يقضيها الناس في العمل. على سبيل المثال، إذا انخفض ذوق البلجيكيين في قضاء وقت الفراغ إلى مستوى البرتغاليين، فإن عدد ساعات العمل في بلجيكا من شأنه أن يزيد بنسبة 4 في المائة. وتمتلك «ثقافة الترفيه» تأثيرا أصغر من الضرائب على رغبة الناس في زيادة مساهمتهم في العمل، وقد توصل موجان وبوجوريلوفا إلى أن ذلك يرجع جزئيا إلى أن تأثير ثقافة الترفيه بين الرجال يختلف كثيرا عن تأثيره بين النساء. على ما يبدو، الرجال يستجيبون بشكل أقوى إلى التحفيز المالي، بينما بالنسبة للنساء، القسم الباقي من حياتهن خارج العمل لا يقل أهمية عن العمل.