لا أدري كيف يمكن تسمية ما يقوم به البعض في المنطقة الشرقية من أمور، لا يمكن أن تمت للمواطنة بِصِلَةٍ، فالتجرّد من القيم، والتنكر للوطن هما اللذان يدفعان للتخريب، وهو ما يعني استهدافًا للمقدرات، وتشويهًا للوطن الذي تربى الجميع على ثراه، ومنَحهم حبه، وآواهم، وقدّم لهم كل مقدراته، وبعد هذا كله يتنكرون له، فيقومون بمحاولات لتخريبه! إن مَن يوعزون لشبابنا بأمور، يدرك العقلاء مغزاها، ويعون مرادها، سياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، كان من المفترض ألاّ يستجيبوا لهم، وبالتالي يرفضون خططهم، ويرمون بأوامرهم وتوجيهاتهم عرض الحائط. لماذا؟ لأن الوطن أغلى من كل شيء، فهو يسمو عن الإسفاف المقيت، ويعلو على كل ناعق حي أو ميت. لكن ممّا يثلج الصدر هو قيام العقلاء بواجبهم نحو التبرؤ التام من مثل هذه الأفعال جملةً وتفصيلاً، وتوجيه العديد من كلمات النصح لأولئك المُغرَر بهم، والذين تجرّدوا تمامًا من قيم المواطنة، وتنكروا للوطن. وقد قام أئمة الحرمين بتخصيص خطبة الجمعة الماضية عن هذا الموضوع، وبعد أن بيّنوا الحكم الشرعي لهذه الأعمال، طالبوا بإيقاع أقصى العقوبة على كل مَن يروم الوطن ومقدراته، وتذكيرهم بالهوية التي يحملونها، بل ويشرفون بحملها؛ فهي تثبت انتماءهم لهذه البلاد؛ كونها بلاد الحرمين، وأرض الطهر والنقاء؛ كيف لا وهو مهبط وحي السماء، وقبلة المسلمين، ومثوى نبي الإنسانية وسيد البشرية عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. إن مَن يتمرّد على بلاده هو في واقع الأمر ناكر للجميل، متجرّد عن مبدأ من مبادئ الإنسانية المتأصلة في النفوس، ألا وهو الإحسان لمَن يحسن إليه، ولذا فإن المطالبة بالعقوبة يأتي منطقيًّا، والخطباء إنّما أرادوا توضيح مسألة شرعية مهمة؛ ألا وهي أن حب الأوطان من الإيمان، أمّا النكران، ومحاولة الإفساد فهما ممّا يرفضه الدين القويم، ويأباه المنطق الإنساني السليم، وواجب الجميع التصدي لكل محاولة ترمي إلى الإخلال بأمن الوطن، والإساءة إلى مقوماته، ومحاولة تخريب ممتلكاته. وعلى العقلاء والحكماء التحدّث مع شباب الوطن لتقوية عرى الإيمان أولاً، ثم تعزيز أواصر المواطنة الحقّة والتي تفرض علينا جميعًا المحافظة على الوطن، والوقوف أمام كل عابث، فهو كالسفينة التي يقيم عليها الجميع، بنجاتها ينجون، وبغرقها -لا قدر الله- سيغرق كل مَن عليها. وليكن ذلك أُسًّا في مناهجنا الدراسية، وأصلاً في حياتنا العملية، ونهجًا يسير عليه الجميع؛ فبلادنا أمانة في أعناقنا، وحفظ الأمانة من الإيمان، ومن القيم التي يحملها بنو الإنسان، على مدى الأزمان. والمفترض أن يتكاتف المجتمع على إيصال رسالة قوية لا تقبل التشكيك، ولا يعتريها إيهام، أو إبهام لكل من يريد المساس بتراب الوطن، أنهم فداء لهذا الثرى، يفدونه بكل ما يملكون، ويحرسونه بأرواحهم قبل أجسادهم، فالجميع (كل مواطن) حماة له، لا يرضون أن يُمس، فضلاً عن أن يسكتوا عن مخرّب، أو يتستروا عليه، أو يقبلوا به على أرضهم المعطاءة. فهل تصل رسالتنا إلى مَن يروم أرضنا، سواء كان في الداخل أو الخارج؟. همسة: مَن يظن أن الشعب السعودي لا يتفهم ما يدور حوله، أو يحاول تهميش فكر هذا المواطن، فإنه يجهل أبجديات احترام الغير، فالمواطن بات على قدر كبير من الوعي والإدراك التام بكل ما يحيط به، فهل تدرك تلك العقول الدافعة لأولئك المخربين هذه الحقيقة؟ وهل تكف عن العبث الذي تقوم به؟!