وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    تعاون "سعودي – موريتاني" بالطاقة المتجدِّدة    تراجع طفيف بأسعار النفط عالمياً    أجواء ممطرة على معظم المناطق    تحويل الدراسة عن بُعد بوادي الدواسر ونجران    97 % رضا المستفيدين من الخدمات العدلية    "هورايزن" يحصد جائزة "هيرميز" الدولية    افتتاح معرض عسير للعقار والبناء والمنتجات التمويلية    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    العميد والزعيم.. «انتفاضة أم سابعة؟»    تسجيل «المستجدين» في المدارس ينتهي الخميس القادم    أخفوا 200 مليون ريال.. «التستر» وغسل الأموال يُطيحان بمقيم و3 مواطنين    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    الخريف: نطور رأس المال البشري ونستفيد من التكنولوجيا في تمكين الشباب    العربي يتغلب على أحد بثلاثية في دوري يلو    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    (ينتظرون سقوطك يازعيم)    في الجولة 30 من دوري" يلو".. القادسية يستقبل القيصومة.. والبكيرية يلتقي الجبلين    بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي.. إنشاء" مركز مستقبل الفضاء" في المملكة    أمير الشرقية يدشن فعاليات منتدى التكامل اللوجستي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يحضر احتفالية اليوبيل الذهبي للبنك الإسلامي    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    دعوة عربية لفتح تحقيق دولي في جرائم إسرائيل في المستشفيات    «ماسنجر» تتيح إرسال الصور بجودة عالية    «الكنّة».. الحد الفاصل بين الربيع والصيف    توعية للوقاية من المخدرات    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل سفير جمهورية إندونيسيا    لوحة فنية بصرية    وهَم التفرُّد    عصر الحداثة والتغيير    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    اختلاف فصيلة الدم بين الزوجين (2)    قمة مبكرة تجمع الهلال والأهلي .. في بطولة النخبة    تمت تجربته على 1,100 مريض.. لقاح نوعي ضد سرطان الجلد    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    إنقاص وزن شاب ينتهي بمأساة    العشق بين جميل الحجيلان والمايكروفون!    الفراشات تكتشف تغيّر المناخ    اجتماع تنسيقي لدعم جهود تنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين    فزعة تقود عشرينيا للإمساك بملكة نحل    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    السابعة اتحادية..    دوري السيدات.. نجاحات واقتراحات    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (37) من طلبة كلية الملك فهد البحرية    ولي العهد يستقبل وزير الخارجية البريطاني    دافوس الرياض وكسر معادلة القوة مقابل الحق        اليوم.. آخر يوم لتسجيل المتطوعين لخدمات الحجيج الصحية    أمير المدينة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    دولة ملهمة    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاكر نوري: لم يولد للعراق تولستوي ولا مالرو
نشر في الحياة يوم 11 - 11 - 2014

ليس لأنهم مجرد رهبان تتعرض شخصيات «جحيم الراهب» للكاتب العراقي شاكر نوري، للعنف والشتات، إنما بصفتهم علماء يفكرون ويتأملون ويبشرون بالمستقبل. في الرواية مساءلة للدين، عبر هؤلاء الرهبان الآشوريين الذين يمارسون خروجاً على تقاليد الفاتيكان، ويبحثون عما هو إيجابي في التدين، رافضين حياة العزلة والبتولية. يتأمل الكاتب العراقي أحوال الرهبان، وفي الوقت نفسه يتلمس من أين تنطلق شرارة التزمُّت التي تقود إلى التطرف. تعالج الرواية موضوعاً ينتمي إلى حقبة قديمة، إلا أنها وفي الوقت نفسه ليست بعيدة مما يحدث اليوم في بلدان عربية، منها العراق. فالرواية تشتبك، في صورة أو أخرى، مع الزمن الراهن وقضاياه الأكثر إشكالاً وإلحاحاً.
يقترب صاحب «نزوة الموتى» في روايته الجديدة مما هو روحي، ولئن تخلت شخصيات الرواية الرئيسية عن هواياتها وشغفها بالفن، فإنها ظلت مؤشراً إلى ما يثيره الفن من أسئلة حول الشك والإيمان. «جحيم الراهب» رواية شديدة الخصوصية بالنسبة إلى الروايات الأخرى للكاتب، من ناحية الأجواء والتساؤلات التي تطاول الوجود والاختلاف، وأيضاً المآل الذي تنتهي إليه شريحة من البشر ينتمون إلى مذهب ما، في سياق مواجهة كبرى مع مذاهب أخرى. في الرواية أيضاً احتفاء بمباهج الحياة، فهؤلاء الرهبان لا يُحرِّمون الزواج ويشجعون الانفتاح وعدم الانطواء، وهي صورة غير مألوفة كثيراً عن الرهبان. يقول شاكر نوري الذي هاجر إلى فرنسا عام 1977، وأقام فيها منذ ذلك الحين إلى 2004: «نحن نشهد ردّة عنيفة وعودة إلى القرون الوسطى».
رواية شاكر نوري ليست سوى «ملحمة الآباء الآشوريين الذين غادروا بلدهم إلى بيروت، من أجل إنقاذ أنفسهم والدفاع عن هويتهم». إنها رواية معنية باللحظة الراهنة، وجحيمها أكثر مما هي عن زمن ولى. بيد أن الرواية كاملة هي من ابتداع الكاتب، فهو لم يكتب على شكل بناء جاهز، مثلما هي الحال عند روائيين عالجوا الموضوع نفسه، «القصة كلها مبنيّة على الخيال، لا وجود لهذا الدير ولا وجود لهؤلاء الآباء إلا في مخيلتي. ولكن بناء هذا العالم ليس سهلاً».
تنطوي اللغة في «جحيم الراهب» على قلقها الخاص وتلامس موضوعها بدقة، كأنما هي خلاصة تفكير وتأمل في ما ينبغي أن تكون عليه اللغة الروائية في مثل هذا النوع من الروايات، «كل إبداع لا يمكن أن يُسمى إبداعاً إذا لم يكن إبداعاً في اللغة، بخاصة اللغة الروائية، والتي فجرّها الشعراء، ولكن لماذا نكص عنها الروائيون؟». يوضح شاكر نوري الذي انتظر حوالى عشرة أعوام لكي ينشر روايته الأولى «نافذة العنكبوت»، بسبب اللغة والحيرة. أيُّ لغة يستخدم في الرواية: هل لغة همنغواي القصيرة البرقية أم لغة مارسيل بروست ذات الفقرات الطويلة، «لذلك كان عليّ أن أختار اللغة التي تفجّر المشاعر والأحاسيس، لأن بطل الرواية عبدالرحمن يُصاب في الحرب ويصبح عاجزاً عن فضّ بكارة زوجته، ويجّر الجميع إلى عجزه حتى البلد الذي يحارب آنذاك. اللغة في رواية «المنطقة الخضراء» متدفقة وسهلة بسبب التعامل اليومي بين ثلة من المترجمين العالميين مع الاحتلال الأميركي وثلة من الجنود... هكذا كل رواية تصنع لغتها بنفسها، لأنها تنبع من ذاتها».
أصدر صاحب «جنائن دجلة» 8 روايات حتى الآن، ويشتغل على رواية جديدة، وكلها تشتبك مع الواقع العراقي في أشد مراحله قتامةً، مدفوعاً بإيمان قاطع بمقولة الروائي ميلان كونديرا بأن الرواية لا تفحص الواقع بل تفحص الوجود، «وإلا تتحول الرواية إلى مجرد حكاية بسيطة، ترويها الجدّات».
شاكر نوري كاتب متنوع، مترجم وصحافي ورحالة وروائي وباحث، وهو يعتقد أن التنوع جزء من العصر، «فأنت بصفتك مثقفاً لا تستطيع أن تدير ظهرك لفيلم جيد أو لمعرض رسم إبداعي، أو لمشاهدة مسرحية أو لقراءة النقد أو الكتابة عن المدن التي تراها. وهذا ليس جديداً عن الأدباء العرب، فقد كانوا أطباء وأدباء في آن واحد مثلاً، وكانت لهم اهتمامات كبيرة، في أدب الرحلة والرسائل والرسم وغيرها، إضافة إلى إبداعهم الأدبي». تعلم صاحب «شامان» التنوع خلال إقامته الطويلة في أوروبا. 27 عاماً عاشها شاكر نوري، الذي يحمل الدكتوراه في السينما والمسرح من جامعة السوربون، في عاصمة كوزموبوليتية لها أبعادها الكونية، وكل شيء فيها يخصه من قريب أو من بعيد.
وليس مهماً بالنسبة إلى شاكر نوري، الذي نال جائزة ابن بطوطة لأدب اليوميات عن كتابه «بطاقة إقامة في برج بابل. يوميات باريس»، أن يكون المثقف في الشرق أو في الغرب، بل المهم ماذا يقدم. ويقول: «إن غالبية المثقفين جاءوا إلى الغرب وهم لا يتقنون لغته، وأن كثيراً منهم يدّعي إتقانها». ويشير إلى وجود مثقف واحد فقط في الغرب، هو الراحل إدوارد سعيد، «الذي حاكى الغرب أو رفاعة الطهطاوي الذي استوعب الأجنبي أو أدونيس الذي فرض إبداعه على الغرب، حتى إن مستشرقاً كبيراً مثل جاك بيرك مات وهو يترجم بعض أعماله»، مشيراً إلى أن حياته الثقافية انصبت على محاورة الكتّاب الأجانب، صدر الجزء الأول من هذه الحوارات في عنوان: «منفى اللغة» حوارات مع 30 كاتباً فرانكوفونياً. والجزء الثاني يصدر مطلع العام الجديد.
اشتغل شاكر نوري أعواماً طويلة في الصحافة، انضم إلى صحف مرموقة، وأخرى «لا يمكن أن تطلق عليها صحف بقدر ما هي وعاء للبيانات الصحافية، التي تتلقاها من المؤسسات والشركات وأصحاب النفوذ وتجّار الإعلانات وخدم النجوم والنجمات. هذه ليست صحافة سواء المهاجرة منها أم الخليجية. غالبية هذه الصحف يديرها جهلة وأنصاف الأميين، يرتعبون من الصحافي المثقف، بل يعتبرونه عدواً لهم، وهو بالفعل عدو الجهل والأمية. لا تزال الصحافة العربية تحبو، وهي لا تزال في ألف باء الصحافة». لكنه يستثني الصحافة الثقافية، التي قد تفلت، في رأيه، من هذه المواصفات «لكن المحسوبيات والتجمعات والشللية تفسدها».
ويرى أن الصحافي ليس حراً في الصحافة العربية، «فهو تابع ويكتب ما يُطلب منه، إنه يصلح أن يكون «كاتب عرائض» مدوّن المعاملات الذي يبسط طاولته أمام الدوائر الرسمية لتمشية معاملات الزبائن». لا خيار لصاحب «مجانين بوكا» في أن يعمل صحافياً طوال كل هذه الأعوام، فهو بصفته روائياً أصدر 8 روايات في كبريات دور النشر العربية، ولو وجد القارئ الذي «يشتري رواياتي أو روايات الآخرين في أنحاء الوطن العربي، بلا حدود سايكس بيكو، لما كنا نحن الأدباء نضطر إلى العمل في الصحافة، لأن لها أهلها».
الروائي والصحافي الذي عاش في أوروبا قرابة ثلاثة عقود، ثم عاد ليعمل في إحدى دول الخليج، ترى هل يشعر بالحنين إلى المنفى، وهل يفكر بالعودة إلى أوروبا ثانية؟ «سؤال فيه شجن كبير» يرد شاكر نوري، الذي يعتقد أن المنفى فكرة اخترعها الكتّاب والشعراء، «فهي غير موجودة إلا في أذهاننا، لأن المنفى يمكن أن يكون في داخل البلدان الأصلية للكتّاب والشعراء والفنانين، ولا داعي لذكر أبي حيان التوحيدي، ولعل أقسى منفى هو منفى اللغة، لا أعتقد أن الكتّاب العرب الذين يكتبون بلغة الآخر هم سعداء، وأعجبني أدونيس ذات مرة حين سأله أحد الصحافيين في ندوة على ما أعتقد، قائلاً له: لماذا لا تكتب باللغة الفرنسية؟ فأجابه أدونيس: لأنني لا أمتلك أمّيْن. فالكتابة إذاً هي كتابة الأم، وتنهدات الرضيع التي تمتزج بالحليب».
في كل الأحوال أصبحت أوروبا تعيش في داخله، هو الذي يقول إننا لا نعيش في الخارج، كما لم يعد بالنسبة إليه يوجد أي فارق بين أن يكون في صقيع أوروبا الباردة أو في رمال الخليج الملتهبة، «الملاذ هو وطن الكتابة والحروف، والزمن هو كنز الكاتب، وعليه ألا يضيعه في سفاسف المثقفين وترهاتهم».
أسأل صاحب «كلاب جلجامش» عن الروائيين العراقيين ولماذا لم يستطيعوا، وفق نقاد عرب، أن يصنعوا منجزاً روائياً واضحاً، فما يحدث، كما يقول هؤلاء النقاد، هو حضور روائي عراقي فترة من الزمن عبر إصدار الرواية تلو الرواية ثم يتوارى فجأة، ويأتي بعده آخرون ثم يختفون، إذ لا توجد استمرارية في الكتابة، ومن ثم الحضور، باستثناء اسمي فؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان، فيجيب أن السبب في ذلك يعود إلى أن الواقع العراقي تجاوز الروائيين. ويضيف أن الروائي الحقيقي هو الذي لا ينقطع أبداً، ويكون حاضراً في اللحظة التاريخية، «الكتّاب الفرنسيون لا يزالون حتى هذه اللحظة يكتبون عن الحرب، وأسألك كم رواية لدينا عن الحرب أو الحروب التي شُنت على العراق؟ لا توجد لدينا ملاحم، وهذا البلد هو الذي أنتج أول ملحمة خالدة في التاريخ وهي «ملحمة جلجامش» التي تكفي لتقوم عليها أمة من الروائيين. ولكن هذه الحالة لا توجد. لم يولد لدينا ليون تولستوي ولا أندريه مالرو. كما قلت إن كل متر مربع من العراق في حاجة إلى رواية. فؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان كاتبان لا يتكرران لأنهما عاشا ضمير هذه الأمة من الداخل. يقول لي أحد الناشرين: إن عراقيين كانوا يقولون لي إن لديهم روايات عظيمة، لكنهم يخافون نشرها من النظام السابق، ولكن عندما زال النظام السابق انكشف أن جعبة هؤلاء خالية من الروايات ولا وجود لها إلا في رؤوسهم. الرواية العراقية تبدو، وكأنها موسمية، تصلح لفصل معين، ثم تتوارى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.