هل نحن على أبواب تدهور اقتصادي طويل المدى؟ هل سنسقط في الهاوية مع سقوط نظامنا المصرفي؟ هل ستعصف الويلات ثانية بالعالم كما في ثلاثينات القرن العشرين؟ أسئلة يطرحها المحرر الاقتصادي الألماني أولريش شيفر في كتابه «انهيار الرأسمالية» (ترجمة عدنان عباس علي - سلسلة عالم المعرفة - الكويت - 468صفحة). الإجابة هي نعم، وهذا ما يُتوقع. ويُرجّح أن يعيش العالم حقبة تتسم بمعدلات نمو سلبية، إذ فاقت الأخطار التي تهدد الاقتصاد العالمي تلك التي خيمت عليه سابقاً. وطرح شيفر أكثر من سيناريو لما يمكن أن يحصل، الأول يتمثل بأزمة تخيم فجأة على القطاع الصناعي، إذ لو قلصت المصارف المتعثرة حجم القروض التي يحتاج إليها الاقتصاد، فسيؤدي هذا التطور إلى نقص في السيولة في الاقتصادات المتنوعة، ويتسبب في إفلاس عشرات آلاف الشركات والمشاريع الضخمة ذاتها، ويجبرها على إلغاء ملايين الوظائف. وفي حال تحقق هذا التطوير سيكون على الحكومة التفكير في أن تمد يد العون إلى المشاريع الصناعية، لو كان واجبها يقتضي أن تسعف الشركات العملاقة المنتجة للسيارات، وأن تنقذ المشاريع العظيمة المنتجة للسلع الكيماوية مثلاً. إذ منذ تقديمها العون للمصارف، أمست الحكومات عرضة للابتزاز، لاحتمال أن تطالب القطاعات الأخرى الحكومة بمساواتها بالمصارف التي حصلت على البلايين من المال العام. والسيناريو الثاني هو الهروب من الدولار، أي يمكن أن يفقد المستثمرون الثقة في متانة الاقتصاد الأميركي والدولار بصفته العملة القيادية المانحة الأمان، وبالتالي يمكن أن يساورهم اعتقاد بأن البلايين التي أودعوها في الولاياتالمتحدة، لم تعد في منأى عن الخطر. ومن مسلمات الأمور أن ازدهار الاقتصاد الأميركي ما كان سيبلغ المستوى الذي حققه في السابق من دون الأموال الضخمة التي ضخّها العالم في الاقتصاد الأميركي لتمويل العجز الكبير. إذ بلغ حجم الديون الأميركية، في حال أخذ المرء حجم الاقتصاد الأميركي معياراً لقياس ضخامة هذه المديونية، مستوى فاق المستوى الذي كان سائداً في آسيا في تسعينات القرن الماضي. ويزيد الهروب من الدولار وخامة الفوضى السائدة في أسواق الصرف الأجنبي نتيجة الزلزال الذي ضرب البورصات عام 2008. لذا، فإن ضياع الثقة فيه وتراجع قيمته يؤديان لا محالة إلى ارتفاع قيمة اليورو، وتراجع مستوى الأداء الاقتصادي في أوروبا. ويتمثل السيناريو الثالث في إفلاس الدولة، في حال عدم تحقيق الهدف المنشود من برامج الإسعاف، أي لو واصلت المصارف تعثرها على رغم المساعدات التي حصلت عليها حتى الآن، فيبدو أن تعرض الدولة للإفلاس احتمال ضعيف بكل تأكيد، لكن ما يجب أخذه في الاعتبار هو تعرّض الدول في أحيان كثيرة للإفلاس. فقد أفلست الدولة البروسية مثلاً عام 1806، أي بعد حربها مع فرنسا، وعجزت ألمانيا عام 1932، عن تسديد تعويضات الحرب، وأفلست منتصف تسعينات القرن العشرين، بلدان كثيرة ذات اقتصادات ناشئة. كما تعرّضت بلدان كثيرة للإفلاس، ما أجبر صندوق النقد الدولي على مساعدة بلدان ذات اقتصادات ناشئة. ويتوقف تحقق هذا السيناريو أو ذاك على ما إذا كانت أسواق المال ستظل على حالها، ومدى الخفض الذي سيطرأ على الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، والضعف الذي سيخيم على النشاطات الاقتصادية. وهل ستنجح الدول في التخفيف من شدة الأزمة؟ أم أنها سترتكب أخطاء أخرى؟