أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد، المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى، داعيًا إلى كثرة الاستغفار والتوبة إلى الله التي تجلب الرزق وتلين القلوب. وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام: إن وظيفة الإنسان في هذه الحياة هي العبودية لله بتوحيده وشكره وذكره وحسن عبادته، ثم عمارة الأرض بما تقتضيه هذه العبودية بما يظهر به هذا الدين ويقوم به شرعا، فالعبودية لله هي الغاية الكبرى، أما العلوم والمعارف والأعمال والولايات والحرف والصناعات فهي وسائل إليها وتابعة لها، والتنوع الحقيقي هو الاستنارة بعلوم الكتاب والسنة، مبينا فضيلته أن الظلامية والظلمات في الحرمان من أنوار الوحي، وأن أشرف مراتب العمارة هي العمارة الإيمانية، وجوهر تمكين الاستخلاف التمكين لدين الله، ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: (أحكام الخلافة والقضاء والسياسات وأحكام الفقه مقصودها حفظ مصالح الدنيا ليتم بها مصالح الدين)، ومن هنا فإن أعلى شُعب الإيمان قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان وأقوال وأعمال كبرى وصغرى من فروض الأعيان وفروض الكفايات والواجبات المستحبات مما يصلح به الدين وتعمر به الدنيا. وأضاف الدكتور ابن حميد بأن البشر مفطورون على التدين والتعبد لله وليس طريق لإصلاح البشرية وإعمار الأرض إلا طريق الدين وسلوك سبيل المؤمنين، والمؤمن عامر الأرض ومصلحها قوي في دينه ثابت في عقيدته ولا يتحرج من حقائق الدين مجاملة لوسائل الإعلام أو مسايرة لرغبات الجماهير، ولا يكون ربه أهون الناظرين إليه، وقال: "مساكين بعض ضعفاء الإيمان يظن أن الغيرة تشدد أو يرى التواصي بالحق وصاية على الخلق أو يحسب أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إقصاء أو تدخل والإقدام على المنكرات هي حرية شخصية فالمؤمن المصلح يميز الدخيل من الأفكار والسيئ من المفاهيم مما دخل على مجتمعات أهل الإسلام في تعليمهم وثقافاتهم وإعلامهم والعلوم والمعارف والولايات والسياسات والأعمال والتجارات كلها وسائل بقدر ما ترسخ من الدين وما تعلي من القيم وتزكي في النفوس. وحذر فضيلته من فلسفات أو أطروحات لا تبني فكرا صحيحًا ولا تؤسس لسلوك مستقيم، ومن الغلو في تمجيد العلوم والمعارف والثقافات المجردة من القيم؛ فالغلو ينبوع الانحراف وينبغي التفريق بين الإنتفاع بالجديد والحديث وبين الإنبهار المضل فالصالح المصلح لا ينحرف عن الشرع انتقامًا من أخطاء بعض المنتسبين إليه، والعامر المصلح يقبل النصيحة ويستغفر لمن أخطأ، وينظر في علاقته بربه فما كان صوابا مضى فيه واستكثر وما كان خطأ تاب منه وأناب، وقال: "ولا يلزم من الخلاف في الرأي الخلاف في الولاء، فكم هو ضروري أن يعلم المصلحون والمتحدثون عن التجديد أن في الإسلام أصول وثوابت غير قابلة للتغيير أو التبديل من العقائد ومحكمات الدين وما علم من الدين بضرورة، فالإسلام هو المصلح وهو معيار الصلاح". وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن العلوم والتقنيات وسوق العمل ليست بديلا عن العقيدة والأخلاق وحسن السلوك، فماذا تفيد الصناعات والتجارة، إذا لم تبنِ إنسانا مستقيما مؤمنا حي الضمير ومواطنا صالحا، والمصلح الصادق والناصح المخلص هو من يرسل ترتيب أولوياته ويقدم فيها الأهم، ثم المهم ويسعى في بناء نفسه ونفع أمته ولا يشغل نفسه في الكلام والمشاركات غير المثمرة، وليحذر من المشاركات التي تغلب فيها شهوة الكلام على جدية العطاء والعمل، وحسن النية لا يغني عن حسن العمل، كما لا ينبغي أن تكون أدوات التواصل الاجتماعي ومواقعه وسائل شحن وتشنج بدعوى الحرية وحق النقد والرغبة في الإصلاح، مؤكدا فضيلته أن المصلح ليس مسؤولا عن النتائج بل عليه أن يطمئن أنه على الجادة. ودعا الدكتور ابن حميد من يرغب في الإصلاح أن يكون صحيح المعتقد حسن المعاملة ويغض الطرف عن الزلات وأن يكون حسن العبادة وسليم المقصد وصفي القلب وأن يلزم النصيحة في السر، محذرًا فضيلته أن يغلب على الناصح تمجيد نفسه وإظهار صورته والتعصب والخيلاء؛ فسلامة الدين قبل سلامة النفس، ويجب عليه أن يكون معتدلًا منصفًا في أقواله وأفعاله حسن الظن بإخوانه، كما دعا فضيلته المصلح إلى الابتعاد عن التأليب وصراع المصالح والأحزاب والجماعات وإساءة الظن بمن لا يحب ولا يهوى. واختتم فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد خطبته مبينا أنه ليس المطلوب من المسلم ولا سيما طالب العلم والمصلح وصاحب الرأي أن يخوض في كل مسألة ويدخل في كل تخصص ويلج في كل مستجد منفعل خلط وأفسد أكثر مما أصلح فليعرف العاقل قدر نفسه وليقدر موهبته وملكته وليقتصر عليهما فالمشاركة في كل قضية ليس دليلًا على الوعي ولا على الاهتمام بأمر المسلمين بل قد تكون دليل على قلة الإدراك وعلى ضياع المسؤوليات فالعاقل لا يستعجل الكلام أو إبداء الرأي لا سيما مع وجود من يكفيه من أهل العلم والخبرة والتخصص، مبينًا أن من ابتلاءات هذا الزمان أن الموضوعات المختلفة من دينية وسياسية واقتصادية وتربوية واجتماعية وغيرها منثورة بين أيدي الناس في المجالس والمنتديات والتغريدات فالحرص على الدخول في كل هذا يهدم ولا يبني وهو خلاف المنهج السديد. وفي المدينةالمنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم في خطبة الجمعة اليوم عن الوقت واستثماره، قائلاً " الوقت هو زمن أعمار الآخرة وبناء السعادة أو الهدم وطول الشقاء، ولشرفه أقسم الله بأجزائه بل أقسم بالزمن كله ليله ونهاره قال الله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى). ومضى فضيلته قائلاً " وفي مضي الليالي والأيام ذكرى وعظة للمتقين، قال جل شأنه (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا). وأوضح الشيخ القاسم أن كل حياة النبي صلى الله عليه وسلم واهبها لله تعالى، مبيناً أن الله أثنى على صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى (تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود). وبين أن من وصايا أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما إن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، قال ابن مسعود رضي الله عنه " ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي "، مضيفاً أن السلف رحمهم الله يغتنمون لحظات أعمارهم، فعمروا زمانهم بما يرضي ربهم. وحذر فضيلته من ذهاب عمر العبد بدون استغلاله بالتقرب فيه إلى ربه ' قائلاً: الأيام معدودة إن ذهب يوم نقص عمرك، وذهاب البعض أمارة على ذهاب الكل، مشيراً إلى أن الرابح من العباد من أغتنم زمانه بما ينفعه، والمغبون من فرط فيه. وأشار فضيلته إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن خير ما تعمر به الأوقات وترفع به الدرجات حفظ كتاب الله العظيم وتدبره ومراجعته وتدبره فهو كنز ثمين وتجارة رابحة، إضافة إلى أن من نال حفظه شرُف ومن تلاه عزّ ومن قرب منه عظُم ومنزلة العبد في الجنة في آخر آية يرتلها منه. وذكر فضيلته أن خير ما تعمر به الأوقات وترفع به الدرجات أيضاً التزود من العلم الشرعي بحضور مجالس العلم وحفظ الأحاديث النبوية ومتون أهل العلم المصنفة في العلوم الشرعية, وتبليغ الدين وبر الوالدين وصلة الأرحام ترضي الرحمن والمداومة في زيارة الأهل والصالحين والصحبة الصالحة جميعها من الأمور التي يستغل بها الزمان للتقرب إلى المولى المنان. وأوصى الشيخ القاسم الوالدين باستغلال الأجازة لتكون مغنما لقرب الأب من أبنائه, يملأُ فراغ قلوبهم ويهذب سلوكهم ويقّوم عوجهم, وقال: "واجب الأب نحو أبنائه عظيم، والأم عليها من الواجب تجاه بناتها مثل ما على الأب.