الصدام بين الحضارات والأديان بلغ غايته في العلاقة بين حضارة الإسلام والحضارة الغربية المعاصرة, وأخذ ذلك بعدا تنظيريا قويا خاصة بعد كتاب صموئيل هينجتون الذي وسمه ب"صدام الحضارات", والذي أصدره في نهايات القرن الماضي. وساحة هذا الصراع الحضاري لا تتوقف عند جغرافية محددة أو بلد ما, بل نجدها ساحة للصراع الممتد الذي يشمل جغرافيا كل وجود عربي أو إسلامي يمكن أن يزاحم الحضارة الغربية أو يعوق من نفوذها وتقدمها ووصولها إلى مآربها الاستعمارية. فقد وجدنا كيف أشعل الغرب حربا على الوجود الإسلامي في دياره, من خلال ما يسمى مكافحة الإرهاب, حيث غرس في الثقافة والفكر الغربي, أن الإسلام مرادفا ومطابقا للإرهاب والتطرف, ومن ثم يحد من إقبال الغربيين على هذا الدين, ويدفع مسلمي الغرب للرحيل. وفي أفريقيا يشتد هذا الصراع, الآن, حيث نجد حربا على الوجود العربي والإسلامي في القارة, بفكر وتخطيط غربي, وأدوات أفريقية, هدفها حصار هذا الوجود في شريط ساحلي ضيق, وصناعة الحواجز الفاصلة بين حضارة عربية شمال القارة وحضارة أفريقية , ديانتها الوثنية أو المسيحية, يردها أن تسود بقية القارة من ناحية أخرى. فالأجندة الغربية وضعت الوجود العربي في أفريقيا على قمة أولوياتها وراحت ترسم للقارة مصيرا يهدف إلى عزل الوجود العربي والإسلامي شمال القارة عن جنوبها, بشد بعض الأطراف وبترها من جغرافية العرب لجعل مناطق التماس في السودان، والنيجر، وتشاد وغيرها سدا مانعا من التواصل بين شمال القارة المسلم, وجنوبها. فالغرب يسعى لفصل الكيان العربي في الشمال والذي يبدأ من مصر إلى موريتانيا مرورا بشمال السودان، وإعادة توزيع القبائل العربية صاحبة الوجود في أفريقيا جنوب الصحراء بعيدا عن الكيانات التي يراد لها أن تكون أفريقية خالصة باللعب على ثنائية الأفريقي والعربي والمواطنون الأصليون في مقابل العرب المستعمرون, وتحويل الصحراء إلى عازل جيوسياسي بين الجانبين. وتجلت أثار المخطط الغربي في الوقت الراهن في دول التماس على وجه التحديد, وهي السودان وتشاد والنيجر ومالي, وبدأت عملية "تنظيف" جنوب القارة من الوجود الإسلامي, حيث الحرب الضروس على المسلمين في أفريقيا الوسطى, وأنجولا. على رأس الأهداف التي يسعى إليها الغرب من مخططه قطع الطريق أمام الحضارة العربية والإسلامية لتجد لها موطئا مستقرا في العمق الأفريقي, وتصفية ما تبقى من هذا الوجود في أفريقيا جنوب الصحراء, في إطار الصراع المحتدم الذي جمع الغرب وقوده وأزكى ناره. فبرغم المظهر العلماني الذي يبديه الغرب في مواجهة العالم ودعوته الدءوبة لفصل الدين عن مجريات الحياة لاسيما في شقها السياسي, نجد أن الدين ما زال القوة الأساسية المحركة لسياسات الغرب خاصة تلك التي يواجه بها العالم العربي والإسلامي. فمحاربة الوجود الإسلامي وجعل القارة الأفريقية بحيرة مسيحية تنفر من الوجود العربي والإسلامي بقدر انجذابها إلى العالم الغربي المسيحي كان وما زال على رأس الأهداف التي يصبو الغرب لتحقيقها من وراء مخططه المشار إليه, ولتحقيق هذا الهدف كان لابد من إفساح المجال لتنصير القارة, بعدما شكل الإسلام العائق الأساسي أمام نشاطات التنصير رغم الإمكانيات الهائلة المتوافرة لتلك النشاطات. لاشك أن التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية متشعبة ومتنوعة, ومن أعظم تلك التحديات وأخطرها صرع البقاء والوجود في أفريقيا جنوب الصحراء, والذي يعد أحد جوانب الصرع الحضاري بين المسلمين والغرب , الأمر الذي يقتضى استفراغ الجهد والوسع لمواجهته بخطط مدروسة واستراتيجيات فاعلة. إن الدول العربية والإسلامية تحتاج إلى إستراتيجية مضادة توقف مفعول المخطط الغربي وتحافظ على الوجود العربي والإسلامي وتدعم بقائه في أفريقيا عامة وأفريقيا جنوب الصحراء على وجه الخصوص.