كان يوم السبت الماضي 9 يوليو 2011 يوما تاريخيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فقد ظهرت إلى حيز الوجود دولة أفريقية جديدة تحت مسمى (جمهورية جنوب السودان) لتحتل مساحة تصل إلى نحو 600 ألف كيلو متر مربع تعادل نحو ثلث مساحة السودان الكبير وتقلصها إلى 1.882.000 كلم2. وفي هذه المقالة سأحاول إلقاء الضوء على بعض نواحي التأثير الجيوسياسية على السودان الشمالي ودول الشمال الأفريقي العربية. وهي الجوانب التي يسكت عنها الإعلام العالمي هذه الأيام ولكن إلى حين. من حيث المبدأ، ليس من حق أحد الاعتراض على استقلال جنوب السودان الذي تعرض أهله للظلم والإهمال والاستغلال على مدى عقود طويلة من الزمن. ولا يمكن تحميل حكومات السودان الشمولية المتتابعة وحدها مسؤولية ما جرى، بل تشاركها المسؤولية جامعة الدول العربية كتنظيم إقليمي وكأقطار خاصة منها الأفريقية وفي مقدمتها مصر لافتقارها لرؤية استراتيجية وخطة عمل وسياسات واضحة لرسم مسارات مستقبلها كأمة وككيان واضح المعالم. وأول النواحي التي أود التنبيه لها أن الدولة الوليدة أصرت على حمل تسمية (السودان) ولم تختر لنفسها اسماً جديداً كما حدث من قبل حينما انفصل نفس الإقليم إضافة إلى دار فور للمرة الأولى على إثر اندلاع ثورة محمد المهدي بن عبدالله بن فحل (1843 - 21 يونيو 1885) وانتصارها على جيوش الحكم «التركي - المصري»، والجيوش البريطانية التي ساندته. فهذه المرة يحتفظ الجنوب بمسمى السودان وتحتفظ الجبهة التي استلمت الحكم فيه بمسمى (الجبهة الشعبية لتحرير السودان) ويعلن رئيسه (سيلفا كير) في خطاب الاستقلال وبحضور الرئيس البشير بأنه لن ينسى المقاطعات المختلف عليها ولن ينسى (دار فور). وهو بهذا يقرر بوضوح أن السودان ما زال محتلا وأن دولته هي السودان وأن مهمته في تحرير السودان لم تنته بعد. ويتطابق هذا الموقف في الحقيقة مع مواقف جيران جنوب السودان الجدد (أوغندا وأثيوبيا وكينيا وأفريقيا الوسطى) المعادي للعرب واعتبارهم طارئين على القارة الأفريقية ولا يعدون كونهم تجار رقيق لا بد من محاسبتهم على استعباد الشعوب الأفريقية السوداء. ولذلك يدخل ترحيب جامعة الدول العربية للدولة الجديدة بالانضمام إليها في باب الكوميديا السوداء أكثر منه في باب الترحيب والدعوة الجادة لضم هذه الدولة التي تطمح قوى عالمية كبرى لتعزيز موقفها لتشكل الحاجز البشري والعقائدي بأغلبيتها المسيحية السوداء بين العرب ومزيدا من التغلغل في شرق أفريقيا عبر جسر الجنوب السوداني. فقطع هذا الجسر يعني انضمام جنوب السودان إلى كتلة أفريقية سوداء معادية للعرب ولوجودهم في شمال القارة. ويأتي هذا النجاح للمعسكر المعادي للعرب في شرق أفريقيا بعد النجاح السابق في اختطاف أريتريا من بين أيدينا وتحويلها إلى دولة أفريقية تحكمها عرقية منتمية إلى أثيوبيا، وبعد ضم صحراء أوجادين لأثيوبيا، وفصل جزء كبير من الصومال تحت مسمى (جمهورية أرض الصومال) التي يتوقع أن يعلن استقلالها في أية لحظة، إضافة إلى تحويل ما تبقى من الصومال إلى دولة فاشلة لتبقى تحت الوصاية الكينية الأثيوبية حتى تتحلل ويمكن ضمها لإحدى الدولتين أو لكليهما حسب ما هو مخطط. الناحية الثانية التي أود التنبيه إليها هي أن معظم نفط السودان يقع ضمن حدود الدولة الوليدة وثلث مياه النيل المتدفقة لشمال السودان ومصر تمر عبر أراضيها ما يعني أن جانبا كبيراً من إمدادات المياه نحو الشمال أصبح في مهب الريح. ولذلك سيكون من المجدي لتحقيق الجائزة الكبرى - حسب وصف أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي أيام بوش- المتمثلة في تفتيت وضرب مصر أن تكون البداية في فصل الجنوب المصري في منطقة أسوان ضمن دويلة مسيحية أو قبلية لتتحكم في مياه السد العالي وتقنين جريان ما يصل من مياهه نحو الشمال، ولذلك أتوقع أن يستمر التسخين الثوري في مصر حتى يتم إضعافها بما يكفي لتحقيق هذا الهدف. أما الناحية الثالثة التي أود التنبيه إليها فهي ترابط هذا الاستقلال لجنوب السودان وتوقيته مع أحداث أخرى جسام تجتاح الشمال الأفريقي وأجزاء أخرى من الوطن العربي فالتدخل الأطلسي العسكري في ليبيا ورغم مشروعيته الإنسانية لإنقاذ شعب مستضعف من دكتاتور مجرم، إلا أنه يعمل في أرض الواقع على فصل ليبيا إلى دولتين إحداهما غربية والأخرى شرقية على أن تكون الغربية (أمازيغية) ترتكز على قبائل الزنتان والزليطن وغيرها من القبائل الأمازيغية، وشرقية تكون الغلبة فيها للقبائل العربية، ولعل هذا ما يفسر إمداد ثوار الجبل الغربي بالسلاح الفرنسي ودعمهم للتقدم نحو طرابلس بالتزامن مع منع السلاح عن ثوار الشرق ومنعهم من التحرك غرباً بل وقصفهم - بالخطأ- كلما حاولوا التقدم باتجاه البريقة. ويبدو أن فرنسا تأمل من إقامة دولة أمازيغية في موقع لم يتنبه له العرب في فصل المغرب العربي إلى مغربين أمازيغي من وسط ليبيا باتجاه الغرب وعربي باتجاه الشرق. ومن الأحداث التي يمكن ربطها بمخطط التقسيم على أسس عرقية للشمال الأفريقي الأبيض لفصله عن جنوبه الأسود من جهة الغرب إيجاد موطئ قدم للقاعدة في شمال مالي وجنوب الصحراء للإبقاء على أجواء التوتر بين الشمال والجنوب والعمل على خلق بؤر ساخنة للتوتر في مناطق التماس بين الشعوب على أسس عرقية ودينية. وهكذا يمكن أن نرى بوضوح أن مخطط الدفع بالعرب باتجاه الشمال الأفريقي وتفكيك ذلك الشمال على أسس عرقية بدءا من مصر مروراً بليبيا وانتهاء بالجزائر وباقي دول المغرب العربي هو مخطط يجري تنفيذه فعلا وبنجاح منقطع النظير دون عوائق أو مقاومة، ولذلك أخشى أن يكتمل بأسرع مما نتصور خاصة وأن واقع الحال العربي في مشرقه أو مغربه لا ينبئ بغير ذلك. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة