الحمد لله الذي أكرم هذه البلاد بنعمة منه وفضله، يسر الأرزاق لكل من سعى إلى الرزق الحلال، وأنزل الرفق والرحمة في قلوب العباد لينفقوا مما آتاهم الله ويعودوا ببعض من الفضل على من لا فضل له، فنعمه جلّ وعلا لا تحصى ولا تعد على عباده الذين ينعمون بنعمة الأمن والأمان في دول الإيمان التي كرمها الله بحضانة بيته الحرام ومسجد خاتم الأنبياء والمرسلين. لقد أظلت العباد أيام مباركة، والكل يتسابق فيها للحصول على رضا الرحمن، الكل ينفق قدر ما استطاع، فموائد الرحمن قد مدت لإفطار الصائمين، وشمر أهل الجد لاستقبال شهر الصوم المبارك وإحيائه بالقرآن والقيام، إلا أن البعض ممن ضعفت نفوسهم يستغلون مثل هذه المناسبات للحصول على مزيد من حطام الدنيا الزائل عبر التسول. والتسول رغم أنه ذل للنفس إلا أن البعض يريق ماء وجهه في سبيل الحصول على المادة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إلا أنها يجمعها ويكدسها ويسعد بما جمع فتكون بالنسبة له ثروة حققها من طريق سهل، من طريق استرقاق القلوب واستثارة الإحسان في قلوب المسلمين واستغلال رغبتهم في إرضاء الرحمن. والتسول قديم قدم المجتمعات الإنسانية، إلا أنه بدأ يتفشى ويصبح حرفة من الحرف، فالملاحظ على هذه الظاهرة أنها قد بدأت تتفاقم إلى درجة طرق الأبواب ومضايقة النساء، وآخر ما لوحظ أن بعض الإخوة من دولة مجاورة قد ابتدعوا طريقة لاستغلال المحسنين واستدرار عطفهم عن طريق ارتداء ملابس نظيفة وشماغ جيد وملاحقة الناس في الأسواق وعند الإشارات، بل يطرقون أبواب المنازل لطلب المساعدة، يستخدمون عبارات مثل و(أخي دعس وعليه دية) و(والدي مريض ولا أجد تكاليف علاجه)، وعبارات أخرى كثيرة من تأليفهم وإخراجهم. وقد صدف أن قابلت أحدهم عند أحد الأسواق المشهورة وهو في كامل أناقته، استوقفني بلهجة قريبة من إحدى اللهجات المحلية وبدأ في غسل دماغي واستدعاء الشهامة والإنسانية، ثم بدأ يقص علي أنه كذا وكذا، إلا أن غريزة حب الاستطلاع لدي ظهرت فجأة، فأخرجت ورقة مالية وقلت إن أردتها أخبرني بالحقيقة، فتنفس الصعداء وعينه على الورقة الحمراء، وبدأ يسرد لي قصتهم وأخبرني أنهم يأتون جماعات سيراً على الأقدام مع المعلم تسللاً عبر الحدود، ينتشرون في جميع أنحاء المملكة، ويطلب منهم أن يرتدي كل منهم لباساً معيناً وإجادة اللهجة التي يستطيع حسب كل مدينة، ثم يمتهنون التسول، وعندها فاضت عيناه بالدموع، يحسب أني من جهة حكومية وقال الله يرزقك لا تقطع عيشي ويزعل مني المعلم، هدأت من روعه وأعطيته من فضل الله. كذلك هناك الكثيرات من النسوة تمتهن التسول، الغالبية العظمى منهن ليسوا سعوديات، يلبسن العباءة وينتشرن في الأسواق وفي المساجد والجوامع عند كل صلاة، رغم أن الدولة أكرمها الله لم تقصر في حق المستحقين للمساعدة، فأين دور الجهات المسؤولة؟ نحن لا ننكر وجود الفقراء، والفقراء في كل أنحاء العالم، وقد خصت حكومتنا الرشيدة هذه الفئة بالعناية والرعاية سواء عن طريق الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية، ملايين الريالات للضعفاء والمحتاجين وإيواء البعض في الإسكان الخيري. وها نحن في شهر رمضان، شهر الخير والإحسان، ولا شك أنه فرصة لزيادة نشاط هذه الفئة واستغلال طيبة هذا الشعب. فهل من يد مسؤول تمتد للحد من سلبية هذه الظاهرة في مجتمع التكافل والرحمة؟ والله من وراء القصد.