تزداد الظواهر الاجتماعية تعقيدا كلما زادت حدة مشكلاتها، والمشكلات تتزايد نتيجة لضعف طرق المعالجة أو الوقاية من حدوثها، فحينما ننظر إلى ثقافاتنا رغم تقاربها بطريقة تكاد تتوحد في بعض النقاط الأساسية، إلا أنها مليئة بالتناقضات، وتعتبر هذه المفارقات التي نعيشها دلالة على تباعد الأفكار والأهداف لدى أفراد المجتمع، وقد تسببت في وجود حالة من الازدواجية واللامعيارية أفرزت صورا عديدة من الصراعات الفكرية والاجتماعية التي تتناقض مع مصالح الأمن والاستقرار والتناغم المجتمعي، وبالتالي ستتسبب في إعاقة الأعمال التنموية التي تهدف للتطور، ولعل من أهم الظواهر التي تؤرقنا اليوم هي ظاهرة الإرهاب ذات الوصف التحليلي التراكمي، حيث بدأت بالتطرف الفكري وانتهت عند العنف المسلح. التحولات التي يشهدها المجتمع تفرض مسؤوليات متزايدة، بينما نجد أن معالجة المجتمع والارتقاء به تبدأ بفهمه من خلال دراسته، وذلك بمعرفة التفصيلات الصغيرة التي تشكل نقاط الضعف المؤثرة سلبا على الشكل البنائي العام، مما يعني أن الخلل في أداء هذا الدور سيشكل خطرا ويوقعنا في المزيد من الأزمات، فلا يمكن أن نتعامل مع المشكلات الناتجة عن مشكلات أخرى دون فهمها ومعرفة طرق علاجها والوقاية منها. لا بد من دراسة المجتمع من جميع جوانبه لتفعيل الدور التوعوي والتربوي ضمن الوسائل المؤثرة والمحفزة للتغيير الإيجابي، وذلك يتطلب تفعيل أدوات البحث العلمي وتطبيقاته الحديثة، بينما يأتي التحدي في تطبيق مخرجات هذه الأبحاث والدراسات وتأهيلها في مراكز أعمال وبيئة مناسبة تستعين بالجامعات ومهارات الباحثين وترتبط بالابتكار لتكون أداة فعالة ووسيلة مساعدة لإحداث التغييرات الشاملة. إن السر في تطور العالم الغربي واستمراريته يأتي من تكريس الميزانيات وصرف المليارات على البحث العلمي وتطوير أدواته، هذا بالرغم من أن أوروبا لا تزال مدينة للعرب القدماء بالعطاء العلمي، إلا أننا اليوم نعيش في حالة متأخرة لكثير من الأسباب، وإذا كنا سنتساءل أين تذهب آلاف الأبحاث التي يقدمها الطلبة والطالبات للجامعات كمشاريع للتخرج ورسائل للدراسات العليا، فهذا سيفتح الحديث عن ضعف المخرجات التعليمية وعدم استغلالها، مما يعني أنها لا تحفز على الابتكار والإبداع، ولذلك يفتقدون للكثير من المهارات التي تحفزهم للعمل من أجل المستقبل، حيث إن ضعف التمويل للتعليم والاستثمار في الطاقات البشرية ناتج عن ضعف المنظومة التعليمية والتربوية التي ترتبط بها مقومات البحث العلمي بالضرورة، لذلك لا بد من النهوض بالعلم والاستفادة من مخرجاته والوعي بأهميته كمنهج لفهم الحياة وتلبية احتياجاتها والتخلص من مشكلاتها.