اقتربت عقارب الساعة من الحادية عشرة صباحا، وكما جرت العادة في الأربعاء الأخير من شهر أغسطس، تجمع أكثر من خمسين ألف شاب من أنحاء العالم، في ساحة «بيونول»، تلك البلدة الإسبانية الصغيرة، وفي اللحظة المحددة أعلنت خراطيم المياه بدء معركة الطماطم «لاتوماتينا»، فتراشق المشاركون بمئة وسبعين طنا من حبات الطماطم الحمراء لساعة كاملة. بدأت قصة الطماطم عندما اكتشف معالجو شعب الأزتيك نبتة برية صغيرة خضراء. فوصفوا بذورها لراغبي الحب وثمرتها لطالبي القوة. لكنها بقيت حبيسة بيرو والمكسيك لألفي عام، حتى عبرت المحيط الأطلسي إلى أوروبا. وبدلا من الاستقبال الحار المتوقع، تفاجأت بأن الأوروبيين اتهموها بأنها ثمرة ملعونة وفاكهة سامة. فظلت ثلاثمئة عام تزين الحدائق. ولم يجرؤ أحد على تذوقها. عادت حبة الطماطم هذه المرة إلى الجزء الشمالي من القارة الأمريكية، فبدأت رحلتها نحو الشهرة لتصبح بعد عمليات التجميل / التهجين تلك البلورة الحمراء الطرية. وبهيئتها الجديدة أصبحت ضيفة الشرف الدائمة في أطباق السلطات، وخلطات الصلصات. لكنها دخلت معركة البحث عن الهوية. فما هي الطماطم؟ هل هي فاكهة أم خضرة؟ لينبري المحامون في محاكم الولايات المختلفة «سيدي رئيس المحكمة، كيف تكون خضرة وهي تؤكل كاملة دون طبخ وليس لها أوراق خضراء؟» و قد تتساءل عن أهمية هذا الأمر، لكن تصنيفها كفاكهة يعفيها من الضرائب. وبعد ست سنوات من الحيرة، حكمت المحكمة العليا بأنها خضرة لأنها تؤكل أثناء الوجبة وليس بعدها. إلا أنها علميا تعتبر فاكهة. الفصل الأخير في مسرحية الطماطم بدأ عندما أحضرها تاجر حلبي من إيطاليا، لتغزو البلدان العربية، ولكونها غريبة عنهم، دعاها العشاق باسمها الإيطالي (البندورة) أو التفاحة الذهبية. ومهما كان اسم هذه الثمرة التي أنهكها الترحال زمانا ومكانا، طماطم أو قوطة أو بندورة. إلا أن تقلب أسعارها غير المنطقي أنسى الناس كل هذه الأسماء، ودعوها فقط «المجنونة».