كلما قرأت سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، زاد العجب من هذا الخليفة الراشد.. أما نظراته في أشعار العرب فثاقبة جميلة، وكان يقول : «ليس للعرب علم سواه».. أي قبل الاسلام وقد ورد في سيرته : أن وفدا من قبيلة غطفان جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فسألهم : أي شعرائكم أشعر ؟ قالوا : أنت أعلم يا أمير المؤمنين . قال : من الذي يقول : حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب ولست بمستبق أخا لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب قالوا : النابغة . قال : فمن القائل : إلا سليمان إذ قال المليك له قم في البرية فازجرها عن الفند قالوا : النابغة . قال : فمن القائل : أتيتك عاريا خلقا ثيابي على وجل تظن بي الظنون فألفيت الأمانة لم تخنها كذلك كان نوح لا يخون قالوا : النابغة . قال : فمن القائل الذي يقول : ولست بمدخر لغد طعاما حذار غد لكل غد طعام قالوا : النابغة . فقال : النابغة أشعر شعرائكم، وأعلم الناس بالشعر. وجاء رجل إلى ابن عباس فقال : أي الناس أشعر ؟ فقال ابن عباس : أخبره يا أبا الأسود الدؤلي . فقال أبو الأسود الذي يقول : فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع وقد كان النابغة من أصحاب المعلقات وهي القصائد العشر التي قيل إنها علقت في جوف الكعبة، وكان يحضر سوق عكاظ ويحكم على الشعراء وعلى جودة أشعارهم.. وهذا وحده يعطينا دليلا على مقام النابغة الذبياني الرفيع بين قبائل العرب لا كشاعر فحسب ولكن كوجيه وحكم مسموع القول «راشد السيرة» جاد في أموره.. وقد توفي قبل البعثة. ومن شعره قوله : المرء يأمل أن يعيش وطول عيش قد يضره تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره وتخونه الأيام حتى لا يرى شيئا يسره كم شامت بي إن هلكت وقائل لله دره ومن هذه الرباعية ندرك كم كان حكيما.. فلعله لو أدرك الاسلام لما تأخر عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم. السطر الأخير : فتى كملت أخلاقه غير أنه جواد، فما يبقي على المالِ باقيا.