الناجحون وحدهم يتميزون بقدرتهم على التفكير خارج إطار «الصندوق» المصمت، لا يستسلمون إلى مساحته المحدودة أو ينهمكون بالتفكير في كيفية الخروج منه إلى العالم الرحب الفسيح، وهي خاصية «الفرق» بينهم وبين الآخرين ممن لا يتجاوز تفكيرهم حدود أقدامهم. المخرج والمنتج السعودي الشاب «عبدالله آل عياف» أحد النماذج التي تستحق الإشادة، منذ بداياته القريبة التي مثلت بشكل واقعي تجربة النحت في الصخر، إلى أن أصبح رمزا سعوديا راقيا في عرض أفلامه السينمائية ذات المضمون الناضج الواعي، وحسبه اكتساح مراتب الصدارة في أي مهرجان سينمائي يشارك فيه، بلغ نصيبه منها خمس جوائز حتى الآن ولم يتجاوز إنتاجه أربعة أفلام. عرفت عبدالله آل عياف قبل سنوات قريبة وتحديدا مع بداية إنتاجه لفيلم «السينما 500 كم» الذي يروي قصة السعوديين مع السينما وترحالهم إلى البحرين لحجز مقعد المشاهدة، وكحال البدايات تشوبها دائما لغة تواضع الإمكانيات والاعتماد على الذات مع انسحاب المؤسسات الداعمة، ورغما عن ذلك لم يستسلم عبد الله إلى مقومات الفشل في مقدمتها الجدل الاجتماعي الدائر عن السينما، وقاده التفكير خارج الصندوق إلى الإبداع خانقا للأزمات الاجتماعية «الوهمية»، فإن لم يشاهد السعوديون أعمالي ففي العالم غيرهم ممن يحتفون بإنتاج الشباب، ليمضي بعدها بشكل متطور وينتج أفلامه الأخرى «إطار» و «مطر» وأخيرا «عايش» مشاركا بها في المهرجانات والتظاهرات السينمائية في الإمارات ومصر ولبنان وفرنسا وأمريكا والهند وتترستان وسلوفاكيا باسم «الفيلم السعودي». دعوني ألخص النهاية... حينما دعاني الزميل عبد الله إلى مشاهدة العرض الأول لفيلمه الأخير «عايش» مع جمع من المهتمين بالمشهد السينمائي، في تلك اللحظة شعرت بالقيمة المفقودة التي خاضها عشاق الجدل في افتراض التهمة لمن خاض في مجال السينما وفاتهم كونها رمزا إقليميا يتسابق المشاهد إليه لمعرفة كيف يفكر العالم الآخر، وفي «عايش» مثل عبد الله مع زملائه قصة فريدة من نوعها جسدها الممثل «إبراهيم الحساوي» تحكي فلسفة الحياة والموت في شخصية حارس لثلاجة الأموات يقوده تغيب زميله في المستشفى إلى أخذ مكانه حارسا ولكن في قسم المواليد الجدد، ليكتشف حينها المفارقة... وهي ذات المفارقة للمشهد السينمائي حين يتم الاحتفاء به خارجيا مع الغياب التام والمعمم داخليا، ولا تجد في نهاية الفيلم إلا أن تتحرك يداك تلقائيا لتحيي هذا العمل بتلك الفكرة والأداء الفريدين. عبد الله آل عياف ومجموعة «تلاشي» وغيرهم من الشباب الفاعلين سينمائيا فهموا المعادلة جيدا، ولم يعد جدل السينما داخليا يمثل حيزا من تفكيرهم، فالإبداع دائما يخنق الأزمات. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة