منذ مظاهرات بيروت ضد الفساد في سنة 2019 والأمور في لبنان تتجه نحو الأسوأ، وبحسب شهادة البنك الدولي، فالأزمة في شكلها الحالي تعتبر الأولى من نوعها منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ومن يتفحص التاريخ اللبناني سيلاحظ أن هذا البلد حكمه العثمانيون لمدة أربعمائة وثمانين سنة، وكان تحت حكم الانتداب الفرنسي لثلاثين سنة، وتأثر بحقبة جمال عبدالناصر وياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتدخلت سوريا لضبط أموره وبطلبه ثم طالب بمغادرتها، وبدأت إيران بملء الفراغ السوري عن طريق حزب الله، وأصبح الأخير بمثابة الحاكم الفعلي للدولة اللبنانية، وكل ذلك يقود إلى نتيجة واحدة، وهو أن لبنان تعود على وصاية غيره عليه، ولدرجة أنه لا يستطيع التحرك بدون مساعدة من الآخرين. جان بول سارتر يعتقد أن الآخرين هم الجحيم، ومع ذلك فمشاكل لبنان لا تحل إلا من خارجه وإن فشلت، فقد أقترح الرئيس الفرنسي ماكرون نظام الكارنسي بورد، وبما يحقق معالجة مشاكل لبنان الاقتصادية، واستمرار الخدمات العامة الأساسية إذا تدهورت الأوضاع، وفكرته تقوم على تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، والذي وصل لما نسبته 800%، علاوة على إجراء مراقبة دولية على عمليات الصرف. هذه الآليات ستسهم في خفض نسبة التضخم، وفي تقليص قيمة الدين العام، وبالتالي استعادة اللبنانيين لجزء من قدرتهم الشرائية، وبحيث يكون ارتباط العملة بالاحتياطي النقدي وحده، ما يعني أنها لن تتأثر بالاضطرابات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. مشاكل لبنان مركبة ومتداخلة، فهناك أزمة كهرباء وأدوية وسلع استهلاكية وحليب أطفال ووقود، والحكاية لم تكتمل بعد، وقد قال حسن نصر الله بأنه سيستورد النفط ومشتقاته من طهران، ومعروف بأن أمريكا ومنذ 2018 منعت التعامل مع إيران أو استيراد نفطها، وتصرف كهذا سيؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية على لبنان، وسيزيد من تردي الأوضاع، رغم أنه يستطيع فعل الشيء نفسه بدون عنتريات وشعارات فارغة، مثلما يفعل في معظم شؤونه، والأصعب أن رئاسات الدولة والحكومة والبرلمان سكتت ولم تعلق على كلامه، وكأن الموضوع لا يخصها. المودعون والمواطنون اللبنانيون خسروا أكثر من 70% من مدخراتهم، واحتمالات الانفجار الاجتماعي أو الحرب الأهلية واردة، ولا بد من إصلاحات هيكلية على مستوى السياسة والاقتصاد، وذلك من خلال تشكيل حكومة جديدة تستطيع شرعنة تصرفاتها بإجراءات دستورية، وبما يمكنها من تأمين تمويل دولي أو إقليمي، والحصول على مساعدات أو قروض ميسرة، بالإضافة لإقرار نظام عادل للمنافسة يمنع الاحتكار في السلع الأساسية التي يحتاجها الناس، والتي يستفيد حزب الله من المتاجرة بها، والمملكة ودول الخليج، في اعتقادي، لن تتردد في الوقوف إلى جانب لبنان المتعافي من التبعية الفارسية.