هذه هي الصيغة النهائية المباشرة التي يمكن أن تترجم كثيراً من التساؤلات والاستفسارات التي يطرحها المراقبون خارج المملكة بمختلف اهتماماتهم وتخصصاتهم وخلفياتهم المعرفية والثقافية، التي يبدو أن بعضها يحاول تفسير الأمور بنظرة آنية منفصلة عن ربطها بسياقات تأريخية واجتماعية، ووعي كاف بمعايير الثبات والتغيير ومحركات التحول وضروراته في المجتمع السعودي. وهنا نحن لا نتحدث عن الخصوصية بمفهومها التقليدي المبتسر الذي وظفه البعض سلباً وبإسراف شديد، ولكن نتحدث عن خلطة اجتماعية بمكونات خاصة في بلد يمثل خصوصية دينية بوجود المقدسات الإسلامية وما يتطلبه وجودها من الانتباه لبعض الاعتبارات، لكن دون المبالغة فيها. الإجابة على ذلك السؤال ليست بالبساطة التي يتوقعها البعض، فهي تستدعي استحضار حقائق وشواهد ومعلومات وأحداث كثيرة. ولكن إذا كان بالإمكان تبسيط الأمر فالإجابة تتمحور في أن العالم لم يعد كما هو سابقا، فقد تحول إلى عالم تفاعلي ديناميكي بسرعة فائقة، ولم يعد لدولة أو مجتمع إمكانية الانفراد أو ترف الانعزال أو القدرة على الوقوف أمام رياح التغيير التي تجتاح الحدود دون استئذان. الظروف المستجدة جعلت المملكة تتخذ قرارات تحولية كبرى انطلاقا من معرفتها بكوامن قوتها ومعطيات حضورها وثقلها السياسي والاقتصادي، ولأن التغيير منظومة متكاملة مترابطة فلا يمكن تجزئته أو العمل على جانب منه دون آخر. لهذا كان لا بد من العمل على مسارات متوازية في نفس الوقت ولكن باتزان وتعقل، وأيضا دون تراجع، أو ترك الأمور لمزاج الذين يثيرون الرعب لدى المجتمع من مجرد التفكير في قضايا التطوير والتحديث والتغيير. مجتمع المملكة الآن رجالا ونساء لم يعد ذلك المجتمع التقليدي المؤطر بالتوجس والخوف من الخطو باتجاه المستقبل كما تفعل بقية مجتمعات العالم، بل أصبح الأمر حتميا وغير قابل للتردد. القرارات التحولية الكبرى، الاقتصادية والسياسية، تتطلب بالضرورة أرضية اجتماعية وفكرية وثقافية مناسبة لها، تستطيع التماشي معها ومع العالم. سيطرة فكر تقليدي أحادي وإصراره على تسيير مجتمع بأكمله لم يعد ممكنا لحياة طبيعية في بلد يسعى للوصول إلى الصفوف الأولى في سباق عالمي من تأخر فيه لحظة يحتاج إلى زمن طويل للحاق بالبقية. المملكة تتغير، لكنه التغيير المتزن المتوازن الذي لا يحدث شروخا أو اهتزازات تربك المسيرة. إنها تفعل ما يجب أن تفعله، وما كان عليها البدء فيه قبل هذا الوقت.