عكاظ - السعودية هكذا صور البعض بكلمتين فقط حال أولئك الرحالة الذين جابوا الجزيرة العربية في القرون الثلاثة الماضية.الكلمة الأولى تعبر عن حقيقة واقعة صادقة والثانية استنتاج متشائم عن مهمة أولئك الرسل لدولهم وبعثاتهم. وإذا كان البعض يرى في كتابات المستشرقين الريبة والشك بل كما يقال السم في العسل والمآرب الخبيثة، فإن الشبهة لا تقل كذلك عن أولئك الرحالين الذين وفدوا بمسميات متعددة وعطاءات مريبة تختلف في المسميات وتتفق في الأهداف. وإذا كانت كتابات الرحالين حظيت خلال الخمسين سنة الماضية بترجمات عدة وملاحقات ليس لكتبها فحسب بل حتى تلك التقارير المرسلة والمقتضبة أحيانا،فإن من المفارقات إنه بقدر ما نمعن في إلصاق التهم وبعث الشكوك حول أولئك فإننا كذلك لا نتردد في ملاحقتها ليقيننا أننا سوف نجد فيها معلومات هامة على الأقل إن لم تكن كنوزا معرفية هامة عن بلادنا في حقبة مظلمة قاتمة، فقيض الله أولئك ليكتبوا ليس من أجلنا ولكن النتيجة كانت من حظنا فقرأنا ونهلنا واستفدنا منها بحق. كنت أقرأ كتابا جديدا هاما صدر قبل أيام يؤكد الحقيقة الكبرى من أن أولئك الرحالة رغم تلك الروح الشؤم على أهدافهم إلا أننا بصراحة مدينون لهم حين كتبوا عن بلادنا وأرضنا والإنسان الذي يعيش في ثراها القاسية. والكتاب بعنوانه السابق وعنوانه الجديد «روايات غربية عن رحلات في شبه الجزيرة العربية» يعبر عن تلك الروح المتناقضة. لقد غالب أولئك بلا شك جميع تلك المصاعب بل العقبات الكبرى التي واجهتهم بدءا بالديار والسكان والبيئة والمعاش والحال. لكنهم كتبوا ليس برؤيتنا نحن لكن برؤية الغرب والمكتشف والمنبهر والحاقد والحاسد في آن واحد. لا أميل إلى أن التعميم في سوء المقاصد لأولئك ولا إلى إرسال اللعنة لأيامهم كما فعل مؤلف الكتاب ولكني أعتقد أنهم كالمستشرقين كتبوا لأنفسهم ومصالحهم فنفعوا وخدموا غيرهم. ومن المهم إدراك أن الكتابة بعين مجردة غربية كما لأولئك جلبت دقة التفاصيل والسؤال عن الغرائب المشاهدة المؤسفة للبعض من قومنا آنذاك وكذلك الإيجابية الصالحة ،وكادت أن تندرس لولا تلك الكتابات من الرحالين. لقد حاول البعض ومنها هذا الكتاب رغم تلك الدراسة الجادة الرائعة والاستغراق الدقيق لغالب الرحلات إلا أن المؤلف غلبت عليه روح الشك والتشكيك في تلك الكتابات بسبب ما أسماه الأغراض الاستخباراتية والعسكرية والسياسية والتنصيرية والاستعمارية.بل إنه يقول إنها لا تكاد الأهداف تخرج قيد أنملة عن هذه الحلقة المتشابكة حلقة مترابطة بعضها ببعض حتى لتكاد الفواصل تذوب. ولعل من غرائب تلك الرحلات كما يقال أنها كتبت من أولئك ولم يكن الخطاب فيها موجها لأمة أو شعب عربي بل لم يدر في خلد واحد منهم أنها سوف تصل إلى أنظار وعيون العرب. لقد كان جميلا أن تخرج هذه الدراسة القيمة من الدكتور عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم بمشورة واقتراح ومشروع بذرة من الدكتور والباحث السعودي الكبير محمد بن عبدالله الربيع الذي أشار بضرورة جمع تلك التقارير وترجمتها ودراسة ما ورد فيها وتمحيصها مهما كان فيها من أخطاء وتجاوزات. لقد أحسن نادي المدينةالمنورة صنعا حين اختار لأحد ملتقياته قبل عدة سنوات عنوانا المدينةالمنورة في كتابات الرحالين، ثم لحقه نادي حائل الأدبي بذات العنوان عن حائل وأعلن أخيرا نادي القصيم الأدبي ذات العنوان عن القصيم أيضا. وهي خطوة رائعة جادة من تلك الأندية لدراسة تلكم المادة الغزيرة التي حظيت بها كتابات الرحالين وتناولت أطرا واتجاهات عديدة في السياسة والتاريخ والأدب والثقافة والاجتماع والدين كذلك وجميعها غزيرة جادة مليئة بالغرائب والاستنتاجات الصحيحة والخاطئة من قبلهم. وحينما يتم عرضها على الباحثين فإنها سوف تخرج بنتائج إيجابية مفيدة نكتشف من خلالها مجتمعاتنا من عين أخرى.