تمر مصر هذه الأيام وأياما سابقة، بمرحلة خطيرة من تاريخها الحديث. وما كان أحد في العالم العربي يتمنى أن تصل الأمور في بلاد الكنانة إلى نهايات حسم لأزمة بالقوة، على الرغم من أن كل المؤشرات تدل على أن الأوضاع في مصر تتجه بسرعة إلى هذا الحل الذي حذرت منه الحكومة المصرية وقواتها الأمنية وجيشها الباسل مبكراً. وكانت الأزمة تتضخم، بفعل غياب الرؤية الحكيمة لدى الإخوان المسلمين للوصول إلى كلمة سواء، واستخفافهم بقوة الفعل لدى حكومة مسلحة بتفويض شعبي. وبدلاً من البحث عن حل لأزمة سياسية والجنوح إلى السلام، انتهج الإخوان أسلوب العناد والمزايدات، مما اضطر الحكومة المؤقتة، يوم أمس، إلى اتخاذ إجراءات ضرورية كما يبدو لمنع انزلاق البلاد في أتون محرقة حرب أهلية وتدمير ذاتي لواحدة من أهم البلدان العربية وأكبرها. لا يسرنا أن تجري اضطرابات في مصر، وفي أي بلد عربي، بل في أي بلد في الدنيا، لكن الأحداث تسير في مجرياتها، وما يجب الاهتمام به الآن هو أن يقتنع المصريون الذين أخذتهم أوهام ووعود وخطابيات موهومة في منصات الاعتصامات وأعمتهم عن رؤية الحقيقة وهي أن بلادهم تواجه أخطاراً سياسية واقتصادية محدقة تتطلب منهم التحلي بالعقل وحل الأزمات بالحكمة والتروي وليس بالمزايدات والمبالغات والتهديدات التي كانت تبعد البلاد والمواقف عن أية حلول سلمية. وبالرصد لمجريات أحداث الأيام الماضية يتبين أن حزب الإخوان المسلمين سد كل الأبواب والنوافذ التي حاولت وساطات عربية ودولية فتحها لإجراء حوار وطني، وتمسك بعناده وتوهم أحلاماً، كانت في افضلها خيالاً، للعودة إلى السلطة. ونتج عن هذا العناد أن تشجعت منظمات إرهابية وقوى ظلام على النيل من مصر وسيادتها وشن هجمات إرهابية ضد الجيش المصري. ويبدو أن حكومة الرئيس عدلي منصور اقتنعت أن حزب الإخوان لا يود الوصول إلى حلول سلمية وأنه، باستمرار يصعد مواقفه ويكهرب الأجواء، ويحرض على أعمال العنف والنيل من هيبة الدولة وسيادتها. بل أن ميداني الاعتصام تحولتا إلى ثكنة عسكرية بإقامة متاريس ودشم والاستعداد لمعركة حربية في قلب مدينة وبين سكان ومنشآت مدنية. ومثل هذا التصعيد الذي كان يفتقر إلى الحكمة، لم يكن يساعد على الحوار السلمي ولم يكن يساعد الدولة المصرية وجيشها وقواتها الأمنية على المزيد من الصبر، أو الاستمرار بالمقامرة في مصير بلاد زعيمة ومهمة تمثل ركناً أساسياً في البناء العربي هوية وتاريخاً وموقفاً. وعلى الرغم من الأحداث المأساوية المؤسفة إلا أن الحكومة المصرية لا تزال تؤكد أنها لن تنتهج الإقصاء ضد أي مكون سياسي. وهذا يعبر عن أنها تود أن يضع المصريون الأحداث المؤلمة وراء ظهورهم ويبدأوا بالتطلع إلى المستقبل وبناء بلادهم.