جبلت وسائلنا الإعلامية من مرئية ومسموعة ومقروءة على اصطياد أكبر كم من المتابعين حتى لو تنازلت عن أهم ركيزة تميز انتماءها وركن من أركان وحدتنا العربية وهي اللغة، فتجد اللهجات المحلية طغت على إعلامنا وتتسابق على الانفراد بالإقليمية تكريسا لترسيخها وتثبيت الذات الانفرادية وتزيدها غلوا في الانغلاق الداخلي نحو المناطق حتى أصبح المواطن العربي يحتاج إلى قاموس لاستدراك المعنى. ولفك غموض تلك اللهجات المرسلة بعفوية يجب عليك معرفة موروثات ذلك الإقليم والنظر إلى مخزونه التاريخي من اللغة وما اعتراها من تصدعات وتشويه سواء بفعل فاعل أو بالبعد المنهجي اللغوي أو بالانبهار بالآخرين واستصغار اللغة الأم. فتظهر لنا مجموعة مفردات تفرض علينا بالتكرار لتلوكها الألسن على انها عربية. وبهذا نمارس عملا لا يغتفر تجاه لغتنا العربية لغة الضاد التي تنزل بها القرآن ونطقت به أمتنا الإسلامية. فالممارسات اليومية للإعلام تنبئك بفاجعة لغوية لا محالة، حيث إن ناشئة هذا القرن جلجلت في اذانهم مفردات وتكحلت عيونهم بحروف لا تمت لنا بصلة. فأصبحنا نرى القصة والرواية والشعر بلهجات محلية؛ وأمسينا نسمع الأغنية والمسرحية والتمثيلية بلهجة محلية؛ وأحيانا بتعزز بعض المفردات الأجنبية؛ واعتدنا على قراءة سفيرة القلم «الصحف والمجلات» بلهجة محلية في بعض مفرداتها والإذاعة والتليفزيون ليسا ببعيدين عن هذا المنحنى. والمحاورات في هذه الزاوية تتعدد مناحيها وكثيرا ما نتطرق في حواراتنا اليومية لألفاظ تغير مدلول العبارة وتكون محشورة في سباق الجملة دون أي ارتباط بالمعنى، ما يعطي ذلك اللفظ محورا آخر يبدل مساره ويكون الجدل بيزنطيا لأنه خرج من محدداته اللفظية. ولكل زاوية فرسانها الذين يدافعون عنها. واعلم علم اليقين انني لا أطالب بان يكون الجميع «سيبويه» ولكن هناك لغة عربية سهلة وصحيحة ومفهومة التداول يجب تعميمها لمصلحتنا أولا كأمة عربية واحدة تجمعنا لغة الحوار ولمصلحة لغتنا لتسهيل انتشارها للأمة الإسلامية. ويراهن بعض المتحاورين على أن القاعدة الجماهيرية المستهدفة لا تستوعب غير اللهجة المحلية. وعند استخدام ألفاظ رنانة ذات وزن ثقيل ونقولبها في جملة لا تنسجم في الصياغة أو السياق المتدارك للمعنى لنعطيها جاذبية القبول بالنص بالرغم من افتقادها للارتباط اللغوي وهذه الإشكالية تجعل من السهل الزج بألفاظ غير عربية في غير موقعها لتكون مدخلا سهلا لمواصلة الحوار العيني. هذا كلام مردود عليه لأن من مهمات الإعلام الأساسية الارتقاء بمستوى المفهوم العام دون النزول إليه. بدليل أن النشرات الإخبارية مفهومة للجميع ويتفاعلون معها وهي تنطق بلغتها العربية السهلة الصحيحة وبلغت أهدافها دون التملق للمتلقي بلهجته المحلية. وهناك النصوص والأنظمة والقوانين صيغت بلغة عربية سهلة ومفهومة استطاع المتلقي أن يستدركها دون الغوص في اللهجات، وهناك العقود والاتفاقيات بين الدول العربية وكذلك بين المواطنين العرب كتبت بنصوص عربية سهلة ومفهومة استطاع أطرافها تطبيق مضامينها دون لبس لغوي حولها. أليست هذه أدلة كافية لبحور لغتنا العربية بأنها تتسع للجميع للابحار في أعماقها دون تصادم أشرعتنا وسيجد كل منا مرفأ يرسو عليه بأمان. فلنستدرك ما فات ونبدأ بالتصحيح. باحث وكاتب