رغم أن اسمه الرسمي كان شارع «الاتفاق» إلا أن الغالبية يسمونه شارع «الكفرات» ربما لكثرة متاجر بيع إطارات السيارات في جانبيه، والعرف السائد دائماً أن التسميات العامة للأماكن والشوارع هي الأكثر شيوعاً واستدلالاً عند العامة من تلك التي تعتمدها الجهات الرسمية ولوحات الشوارع التي تشط غالباً عن حاضر الناس وواقعهم، فهكذا شارع «الحب» في الدمام أيضاً والذي يقال انه يرمز إلى محامص «الفصفص» حب الدمام الشهير الذي لم نر تخليداً له في ذاكرة المكان سوى النزر القليل، فهذا الشارع الممتد بين أحياء الدواسر والعمامرة يختزن الكثير من ذاكرة الدمام وسكانها عبر أكثر من 75 عاماً، فقد ذكره الروائي تركي الحمد في روايته «العدامة» ضمن ثلاثيته الجميلة التي ترصد جانباً من فكر المدينة في فترة الستينات من القرن الماضي سوى أن المدينة بطبوغرافيتها المنوعة تلفظ مثل تلك الميول التي لا تتوافق مع فكر العامة وطبيعتهم الاجتماعية الملتزمة، فالدمام هذه المدينة التي اتسعت اتساعاً مذهلاً يضعها بين مصاف المدن العالمية الأكثر تمدداً وجذباً للسكان تظل مدهشة في حيويتها ونموها الذي غدا حاضرة تضم العديد من الأحياء والضواحي الجديدة في ترهل يفوق قدرات المخطط وضابط التنمية فيها، أعود إلى شارع الاتفاق حيث المقر السابق لهذه الجريدة «اليوم» فهناك كانت بداية الصحافة لنا، أنا ومجموعة من الأسماء الكبيرة لزملاء الحرف، فقد كانت زيارتي الأولى لمقر اليوم عام 1404 ه، التقيت خلالها بشاكر الشيخ، ومحمد عبدالرحمن، ومبارك الحمود، وعبدالله الدبيسي، وفالح الصغير، هناك كانت بداية الصحافة لنا، أنا ومجموعة من الأسماء الكبيرة لزملاء الحرف وفيحان الدعجاني، وعلي الخواهر، ومحمد العصيمي، وعبدالله الغشري، ومحمد الغدير، وخالد الحملي، وفيصل القو، ومحمد هجرس، وجبرالله الأمين، ومطلق العنزي، وأحمد سماحة، والقيادي الصامد عتيق الخماس، والزميل المميز سليمان العمير الذي نسي نفسه طويلاً وهو يتابع شئون الناس وهمومهم حتى الشخصية منها عبر صفحته «اليوم والناس»، ففي مكتبه الصغير الذي أصبح لاحقاً الممر الرابط بين المبنى الرئيس للتحرير والتوسعة الملحقة بالمبنى الذي أنتج إبداعاً يوثق لتاريخ الصحافة في المنطقة وتفاعلاتها المنوعة التي تلازم التنمية في عموم البلاد وكل الظروف المحيطة والمتلاحقة، في مكتب سليمان العمير وبين صمته الغالب على لحظات العمل كنا نعد صفحة «إضاءات» والتي تلقي الضوء بصيغة صحفية على الأحداث والمعالم؛ فكان الزميل المزدوج إبراهيم المسلم حيث كنا زملاء دراسة في كلية الشريعة في الاحساء وفي مهنة الصحافة وكانت الدمام تستعد كغيرها لموسم حج عام 1407 ه بتشجيع المواطنين على أخذ التطعيمات اللازمة ضد مرض الحمى الشوكية فكان الزميل المسلم متحمساً للفكرة، فذهب للأرشيف لإرفاق الصور اللازمة بمعلومات الخبر عن نداء التطعيم؛ واجتهاداً منه بالغ في شكل الصور التي تحمل أعراضاً وعلامات مخيفة عن أمراض منوعة لتنشر في اليوم التالي بشكل مخيف للقراء، مما دفع الغالبية منهم للتوجه بكثافة إلى المراكز الصحية في الدمام وإلى المستشفى المركزي لتلقي المصل اللازم، وهو ما أربك تلك المراكز ودعا بمديرية الشئون الصحية التي يرأسها آنذاك الدكتور سامي الصقير إلى تكذيب الخبر وإيضاح حقيقة الصور من خلال بيان رسمي، وهو ما أوقع زميلنا المسلم في حرج وأبعده عنا طويلاً، حتى التقيته مؤخراً في إحدى المناسبات ليقدم لي اصداره المميز «جمال ألمانيا» ويمثل رصداً موثقاً لزيارته لتلك البلاد ضمن بعثة دراسية لمنسوبي المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وكان الوزير الراحل غازي القصيبي -يرحمه الله- وراء تحقيق مثل هذه الدورات والبعثات لمنسوبي المؤسسة إيماناً منه بأهمية التعليم والتواصل المعرفي وفقاً لما تطمح إليه حكومة بلادنا وقيادتها المباركة، فما بين خبر الحمى الشوكية وكتاب جمال ألمانيا كان زميلنا المسلم أكثر خبرة وطرحاً وفقاً لما تضمنه الكتاب ومشاركاته الصحفية المتنوعة. تويتر @nahraf904