هل يصل هوس العزلة بالبعض الى مرتبة اختراع الفرجة والادمان عليها وهل الفرجة في ذاتها فرصة لتأكيد نوع من التجاوز الخفي الذي يكمل أدميتنا ويقنعنا بالهروب من ضيق الأمكنة والمعاني0 سوق الغزل كمشهد وكفرجة غالبا ما تجاوز هذه الأسئلة وصمد في وجه الاجتهاد وغالبا ما تحول مع تقلبات الضائقة وأحكامها دون أن يعبر خريطته العباسية الأولى حتى بات اسمه تراثا يحن اليه الناس ويرون فيه مزاجا تاريخيا يجدد أشكاله العديدة كي يتواصل0 ولكن السوق ظل على الدوام الاغرب والالذ في عالم تباينت مسراته واحزانه وصار الاتصال الاسبوعي بينهما أقرب الى باب الحلم منه الى باب الواقع 0 لا ندري بالضبط لبيع اي الحاجات ينتمي هذا السوق في العقود القادمة وكم ستبقى حاجة بعينها في زمن مقبل بهذا السوق ما دامت استخدامات السوق قد تعددت واتسعت بكل هذا التلون الغريب وجعلت منه واجهة متميزة ومعاصرة لم تعد تحتفظ من أمسها البعيد سوى اسمها الاحتفالي 0 فمن جانبه قال مدير دائرة التراث في الهيئة العامة للأثار والتراث الدكتور داخل مجهول العيفاري لوكالة الانباء الكويتية /كونا/ ان اسواق الغزل معروفة في معظم المدن الاسلامية وهي خاصة بالنساء حيث كن اما أن يبعن ما ينتجن بأنفسهن أو يعطينه الى نساء أخريات ليبعنه وهن يستخدمن ألة الغزل في ذلك وهي ألة قديمة بلا شك وكان في هذا السوق أشهر أماكن الندافين وكان يباع فيه القطن0 ويقع سوق الغزل بالقرب من الجامع الذي أخذ اسمه من ذلك السوق في الجانب الشرقي من بغداد ما بين محلتي التوراة والدهانة0 وكان مشهورا بتجارة الغزل في العهد العثماني وكان في العهد العباسي الأخير جزءا من حريم دار الخلافة العباسية وفيها رحبة جامع القصر / جامع الخلفاء الحالي / الذي هو الجامع الرسمي للخلفاء العباسيين0 وللتعرف على سوق الغزل الان فانه يتألف من قسمين الأول أمام البوابة الجنوبية الحديثة لجامع الخلفاء وهو عبارة عن ساحة واسعة تنحصر بين شارع الجمهورية والجامع والدور السكنية وضعت فيها أكشاك موقتة من قبل امانة بغداد الدائرة المعنية بعمارة العاصمة العراقية ليمارس فيها بيع الطيور والحيوانات المختلفة وتزدحم هذه الساحة بشكل كبير أيام الجمع وبذا تعتبر من الأسواق الأسبوعية 0 وحالة هذا السوق تذكرنا بأسواق المدينة العربية الاسلامية الأولى والتي كانت تعقد في فضاء خالي ومن جلس في موضع فهو له حتى يغادره وكان الشيخ جلال الحنفي البغدادي وهو ابن هذه المنطقة اشار الى ان وجود هذا السوق كان ضرورة0 وتابع الحنفي ذكرياته انه أدرك الناس وهم يبيعون فيه القطن والأن تباع فيه الطيور وقد استبعد هذا الشيخ أن يكون هذا السوق مسقوفا وذلك لنوعية البضاعة التي كانت تباع فيه وما يبعث منها من روائح كما صنفه بعض الباحثين خارج الأسواق المسقوفة حيث يبتدىء التسقيف من أول سوق الدهانة وهو عند النهاية الشرقية لسوق الغزل0 أما القسم الثاني للسوق فيبدأ من أمام البوابة الحديدية الواقعة في منتصف الواجهة الجنوبية من جامع الخلفاء حيث يتصدر السوق مدخل حديث مقسوم بواسطة دعامة من الأجر الى قسمين يتوج كل قسم منها عقد نصف دائري تعلو واجهة المدخل كتابة حديثة بالخط النسخي محفورة على الأجر نصها /سوق الغزل / وينتهي سوق الدهانة المؤدي الى سوق الشورجة بمدخل أخر مقسوم الى قسمين يتوج كل قسم عقد نصف دائري حديث عليها كتابة نصها / سوق الغزل / أيضا مشابهة للبوابة الأولى 0 وسوق الغزل الذي لا غزول فيه ولا مغزل لم يعد مزدحما بالنساء ولا برائحة الغزولات اليوم ولم نعد نعثر على امرأة واحدة فيه بعد أن تحول الى سوق للرجال وانقسم الى تجمعات عديدة يتراصف فيها الباعة ويعرضون بضاعتهم املا في رزق اسبوعي 0 حيث لا جدوى من الترويج للبضائع في صخب أصوات متقاطعة من البلابل والحمائم والكلاب وطيور الحب والدجاج والديكة والأرانب فوضى تعلن عن نفسها بنسق محبب وتجعل من تعددها مناطق جذب رائعة يتحول العابر الى متفرج ثم الى مشتر في مدة ليست طويلة ويوجد في هذا لسوق الان العصافير بأنواعها الكناري والفناجس وأنواع اخرى من الطيور باهظة الثمن0 وان مشاهدة واحدة تقضيها في عالم الحمائم عند اقفاص /سلمان برتو سلمان/ وهو احد البائعين القدماء في السوق حيث قضى 40 عاما في عالم الطيور هنا في سوق الغزل تتعرف على أسماء عديدة وغريبة لهذه الطيور منها /حمر / صفر / أرافل / كمرلي / قلايج / كورنكاتي / مساكي / نجفيات / زاجل/ وغيرها0 وحين تسأله عن أسعار بعضها يجيبك بهدوء الأصفر زيراي سعره 20 ألف دينارعراقي والحمر 15 ألف دينار عراقي 0 مشاهدة أخرى في جنائن /محمد صكر/ تدخلك في متاهة من الأشكال والأسماء والمواطن العصافير لا حصر لها من طيور الحب هولندي وانكليزي واسترالي والكوكتيل ومن سلالة الببغاء سعره 56 ألف دينارعراقي والكناري فنسي وشيرازي والأحدب وجوبر وامفتك واطلس وكولستر ونرويجي وأغلى هذه الطيور هو الأحدب سعره 300 دولار 0 وهناك الجاوة والفراولة والراهب وفنجسي ونابليون وحسوني والغندور الملون والأصفر من أفريقيا والأزرق من هولندا والمشبج فيشر / الأصفر وكلها من أفريقيا00 وهناك الببغاء الناطقة / كاسكو الامزون / مكاوي كوكاتو الأبيض / النابلي / الجنكل وسعره 600 دولار وروزلة / براكيت والمينة وغيرها0 وفي عالم الكلاب ترى بعض الصبية وهم يمسكون بأيديهم سلاسل ثقيلة ربطت بها أنواع شرسة من الكلاب الأجنبية مثل وولف دوك وسعره 75 ألف دينار ودوبرمان وسعره 150 ألف دينار والسلوقي 60 ألف دينار وكلاب الزينة الوديعة ذات الشعر الكثيف التي غالبا ما تقتنيها العوائل الموسرة وتعتبرها جزءا من الأتكيت في نظامها الاجتماعي0 وفي كرنفال أخر للبلابل يتحدث علي جبوري عن صيد هذا النوع من العصافير الجميلة فيقول البلبل طائر موسمي وديع يحب الحرية ولذلك لا يمكن مزاوجته في الأقفاص أو الاشراف على تكاثره فهو طائر البساتين والأشجار والسطوح والمرتفعات ولا يحب الهبوط على الأرض الا لالتقاط الطعام أو شرب الماء وحين تضعه في القفص سيغدو حبيسا لا تنفعه سوى صحبته الوديعة معك خاصة عندما يجد فيك أنيسا يهتم بمأكله ومشربه0 واضاف أما تلك البلابل التي تراها في سوق الغزل فجميعها جلبت من بساتين بغداد والبصرة والحلة والسماوة وخاصة في موسم قص العثوق وانزالها بالحبال حيث تجمع أفراخ البلابل من بطون العثوق المليئة بالأعشاش. وقبالة أحواض الأسماك الصغيرة المنتشرة في الأكشاك وعلى الأرصفة تسرح في حركة الأسماك المثيرة في أشكالها وألوانها وأسمائها /الكوبي والسلفر وأبو سيف وكولدن فش والأسفنجة وأنجل