ان من اخطر الامور التي تثيرها المبادرات الاصلاحية المقدمة لمنطقتنا والتي تركت مفتوحة لمزيد من النقاش, هي تلك العلاقة غير واضحة المعالم التي ستنشأ بين الدول الاجنبية والشعوب العربية في تلك المبادرات, مثلما هي الحال مع ما تطرحه مبادرة الشرق الاوسط الكبير, فهناك صندوق خصص لدعم المنظمات غير الحكومية, فهل تعني المبادرة انه سيكون هناك اتصال مباشر بين تلك المنظمات و الحكومة الامريكية دون علم الحكومات العربية؟ سؤال يطرح نفسه بالضرورة, وحين وجهته للسيد جروسمان اثناء زيارته للبحرين, اجابت نيابة عنه مساعدته (الينا) بان هناك عدة طرق و بانهم آذان صاغية حول الافكار التي ممكن ان تطرح منا, فالطريق مفتوح للتعاون مع الحكومات او وفق ما تراه المنظمة الاهلية, اي ممكن تقديم التمويل بشكل مباشر وليس لدينا شيء جاهز نفرضه عليكم! وتعليقي كان يبدو ان الرؤية غير واضحة لديهم, فهل هي واضحة لدينا؟ الاخطر من تلك الاجابة انه حتى مؤسساتنا الاهلية ليس لديها موقف واضح من هذا الباب الخطير الذي لو فتح فلن يغلق و (قضية سعدالدين ابراهيم) مثال بسيط على ذلك. لنقر اولا اننا نحتاج للمساعدة -على سبيل المثال- في التدريب والاطلاع على تجارب الآخرين من اجل تحسين انظمتنا الادارية والقضائية والتشريعية, ونحتاج للاطلاع على تجارب الاخرين في تطوير مجتمعاتها المدنية وتطوير مؤسساتها, واقامة المؤتمرات والندوات وورش العمل والحلقات الدراسية وتبادل الخبرات وطرق ووسائل بامكانها ان تساعدنا كثيرا في عملية الاصلاح, ورفضها من باب المكابرة والتعذر الفارغ, انما بالمقابل فان تلقي اية مساعدات مالية او لوجستية دون اتفاق مشترك مع الحكومات فيه فتح لباب ان ترك دون تأطير ودون وضوح فاننا سنسمح لكل جهات الارض ان تقدم (الدعم) لمؤسساتنا الاهلية! وتخيلوا غدا ايران ستقدم مساعدات, والقاعدة ستقدم مساعدات, وحزب الله سيقدم مساعدات, وربما اسرائيل او اي (محب) لجماعة من جماعاتنا تتفق رؤيته ورؤية هذا الاجنبي للاصلاح سيدخل علينا عقر دارنا من باب تلك المساعدات!! مسألة اصلاحنا باتت قضية عالمية شئنا ام ابينا, مثلما هي قضية محلية ازلية قديمة, وسواء قدمت لنا عروض الاصلاح بمبادرة امريكية, او امريكية اوروبية, او اوروبية, فالخلاصة ان وضعنا لا يمكن السكوت عليه, والخلاصة الاهم ان هناك عدة خيارات امام الدول العربية تقابل بها مطر المبادرات, ان تقبلها دون مناقشة (كما قال الرئيس اليمني: نحلق رؤوسنا قبل ان يحلقها لنا الاخرون), او ان تحدد بالضبط ما الذي ممكن ان تقبله دون تحفظ وما الذي ممكن ان ترفضه باصرار, وما الذي ممكن ان تقبله بتعديل, ثم تحدد الكيفية التي يتم التعاون فيها, اما ان نقول اننا نرفض تلك المبادرات و لنا طريقتنا الخاصة في الاصلاح, فذلك لم يعد مقبولا لا عندهم فحسب بل حتى عند شعوبهم! اذ لابد ان تكون الرؤية واضحة لدى الانظمة العربية حول مفهوم الاصلاح وخطابها يجب ان يوجه لا لاصحاب تلك المبادرات فحسب, بل رؤية تخاطب بها شعوبها. اي تحرك في اتجاه ازالة رواسب الشك بين الانظمة و تلك المبادرات نحن معه ونسانده, كما ان اي تحرك في اتجاه ازالة الشك بين الانظمة و شعوبها نحن ندعمه بقوة, والمسألة بحاجة لمزيد من التفكير بصوت عال, فتوق الشعوب لتلك الاصلاحات ثغرة في غاية الخطورة. @ كاتبة بحرينية