عزيزي رئيس التحرير خرجت صباحا الى الشارع المحاذي للفندق الذي أقيم فيه لاستقبل سيارة تنقلني الى مقر عقد الدورة التي احضرها، توقفت احدى سيارات الاجرة التفت الينا صاحبها بابتسامة جميلة ونظرات مطمئنة سائلا عن وجهتي اتفقنا ركبت وانطلقت السيارة تشق عباب امواج السيارات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة بما في ذلك (التروماي) الذي تشعرك سكته عندما تجتازها برجة لا بأس بها احتجاجا على مرور السيارة عليها فيما يبدو. لاول وهلة شعرت اني رأيت الرجل من قبل ولعل هذا نوع من الارتياح النفسي لسمته وتقاطيع وجهه المتأثر بمرور السنين، انفتح موضوع تلقائي وماهي الا دقائق واذا بالسائق (الأسطة) يتكلم عن نفسه بقوله : (الحمد لله عمري 65 سنة ولي 40 سنة وانا أصلي ما تركتها أبدا ولي 20 سنة محافظ على صلاة الجماعة واكثر من كذا سنة محافظ على صلاة الفجر في جماعة، والحمد لله أنا في خير عظيم ونعم الله علي كثيرة جدا أعطاني الصحة والاولاد والمال) وأخذ يعدد اولاده وذكر احدهم ترك عمله ذا الدخل الجيد من باب التنزه طالبا الكسب الطيب ولو كان أقل، وفي احدى وقفات السيارة نظر الى السماء من خلال الزجاجة الامامية ورفع يديه كصفة الداعي وهو يقول (ده حبيبي ده حبيبي يا حبيبي يا رب - وفي صوته حشرجة العبرة - لا تدعو فلان ولا علان ولا اي مخلوق ولا حتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لكن اسأل الله شفاعته يوم القيامة) ، ثم لفت نظرنا الى ناحية من كرم الله على خلقه ان جعل عبادته ميسرة لكل مخلوق واجرها عظيم اجعل لسانك رطبا بذكر الله فقال (انت تعرف اني في جلسة ذكرت الله 1000 مرة وانا جالس مع اهلي في البيت، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ما أتركهوش، لما اشوف امرأة غير محتشمة ما اسيبهاش اوصلها بس ما تنزلش حتى اسمعها كلمتين اذكرها ان فيه صنفين من اهل النار ما رآهما الرسول وذكر كاسيات عاريات). وبينما هو مستمر في هذا الشريط الموجز الظريف عن شخصيته وعن نعم الله عليه كنت اجيل ناظري في سيارته القديمة ذات الارائك الرثة والاجراء المتآكلة الذي يفضحها صوت الصرير عند المطبات هو يشكر الله سبحانه بحرارة وصدى صوته يتردد في اذني (ده حبيبي يا حبيبي يا رب) عندما وصلنا نزلت من السيارة وحاسبته بيد بينما الاخرى كنت اجفف بها دموعي التي حاولت منعها جاهدا او مداراتها فغلبتني فقلت له (لقد ابكيتني هذا الصباح يا عم فلا تنساني من الدعاء) فدعا لي بما فتح الله عليه لحظتها، فلله دره من شيخ واعظ وان كان من العوام، لقد تفكرت في نفسي في تقصيري، تأملت كثيرا منا يسبح في بحار النعم الكثيرة ويرفل في اثواب خيرات الله الوفيرة ويجر ذيول الصحة والعافية وهو ما يبرح متألما متحطما يتجرع مرارة الحسرة لماذا لانه لايستطيع شراء تلك السيارة الفارهة ولا ذلك القصر المشيد ولا السفر الى ذلك البلد البعيد، وكم منا من يرى المنكرات فلا يحرك ساكنا ويتألم قلبا. فذكرت هذه القصة لاحد الاخوة المصريين الافاضل اعترض على اسلوب الرجل في وصف اعماله الصالحة وان هذا من باب التزكية للنفس فأجبته ان تلك وسيلته الناجحة للدعوة والتذكير فهو يشعر ان من رآهم قد يكونون اكثر ثقافة منه اذن فليضرب المثل بنفسه ثم لا تنس انه ليس بطالب علم ولكنه داعية بالسجية يمتلك روحا مفعمة بالعاطفة الايمانية حفظك الله يا أبا عمرو صاحب التاكسي والداعية وختم لنا جميعا بالايمان، وكم في الذاكرة من ذكريات جميلة في أرض الكنانة هذه احداها والسلام. عدنان بن عبدالله العفالق - المبرز