يقول المثل العربي ( رب ضارة نافعة) هذا المثل درجت عليه ألسنة العرب منذ عدة قرون وقد تكرر تداوله بين الناس- هذه الأيام- في المجالس والدواوين وصار الكل ينطق به ويثيره عند كل مقالة وحديث. ذلك لأن مجريات الأحداث الراهنة، من كوارث طبيعية وفيضانات مذهلة على عدة مناطق من العالم، والتي توقظ في الإنسان كثيرا من الأشجان ثم تسارع الأحداث وانقلاب الموازين وتذبذب الآراء حول ما يحدث في الكون من متغيرات.. كلها تصب في فلك واحد إلا وهو أن للكون مدبر وما نحن سوى عابري سبيل. طغيان إنسان الأرض وجبروته، الغلو في معاملة الغني للفقير، تسلط الأقوياء على الضعفاء وغيرها كلها شواهد ملموسة نعايشها يومياً وعلى مرآى ومسمع من العالم.. أمطار هنا وسيول هناك، إنزلاقات التربة والفيضانات وذوبان الثلوج من على المرتفعات عبارات منتقاه وجمل وكلمات وبعبارة أوضح (طوفان) يجتاح كوكبنا الجميل.. ما سبب ذلك؟ هل بدأنا ندمر وبأيدينا بيتنا الكبير؟ أوضحت دراسة أعدتها الأممالمتحدة مؤخراً مفادها أن هناك بحيرات متجمدة تحيط بجبال الهيمالايا قدرت أعدادها بنحو (44 بحيرة منها 20 في مملكة النيبال والباقي في بوتان) قد تطفح في أية لحظة مما يعني تكوين طوفان هائل يجرف ما حوله دون هوادة.. سبحان من خلق وأمر، سبحان من لطف ودبر، حيث العناية الإلهية أمسكت قطبي الأرض العملاقين ( الشمالي والجنوبي) من أن يذوباً وإلا أغرقا هذا الكوكب الذي نسكنه عن بكرة أبيه.. تقول الإحصائيات أن في بنغلاديش قرابة (5) ملايين شخص دون مأوى وفي مكان آخر من القارة الهندية ضعف هذا العدد وفي إيران مئات الآلاف كذلك ومن الجانب الآخر وفي العالم ( المتحضر) وتحت ذهول الملايين الذين يتابعون بشغف وعبر شاشات الفضائيات ما يحصل في ( براغ) عاصمة التشيك وعند نهر الدانوب في النمسا وفي سكسونيا وبافاريا الجميلتين في ألمانيا، حيث مئات الآلاف من النساء والأطفال سكنوا المدارس والقاعات الحكومية، لا مأوى ولا فراش وثير حيث غطت الفيضانات أعمدة الكهرباء والأشجار وإشارات المرور!! قبل قرن من الآن ظل نهر الدانوب يرتفع عند منسوب ثابت وينخفض عند منسوب ثابت أيضاً وعاشت النمسا كأجمل واحة تطل على هذا النهر متباهية بأنها أجمل بقعة على وجه الأرض! والتاريخ لم ينس تلك السنة التي فاض بها الدانوب عام 1890م وخرب الديار وألحق الدمار في كل شيء، واليوم تدور الدوائر وتصحو براغ على هدير المياه وزخات لا تتوقف من الأمطار معلنة أنها منطقة كوارث. ما الذي حصل؟ الهلع أصاب الناس، العالم يغرق، الناس لا يدرون إلى أية جهة يلجأون يوم ( لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك).. مذهولين أمام هذا الكم الهائل من السحب، ظل يمطرهم أياماً وليال دون توقف! عجباً لأمر هذا الإنسان، إلا يتعظ؟ إلا يبصر؟ أما آن الأوان له أن يحاسب نفسه ولو مرة قبل فوات الأوان ( يوم لا ينفع مال ولا بنون.. الآية) قد يقول قائل أنها كوارث طبيعية، فنقول له هذا صحيح فهو ترجمة حرفية لما يردده الطغاة، لكن الأولى أن تقول هو عقاب أو هي رسالة لبني البشر جميعهم غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم بأن الله يمهل ولا يهمل، وأنه مطلع على ( خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. الآية). ومن نافلة القول أن في المملكة العربية السعودية نفر- من الرجال المخلصين- نذروا أنفسهم لتبصير الناس، فمنهم من أدلى بدلوه في الداخل ومنهم من حزم الأمتعة وعبر الحدود ليحمل رسالة مؤداها أن للكون خالق وأنه مسير هذا الكون ولا قدرة للمخلوق ( الضعيف) الوقوف أمام قدرة الخالق مهما بذل من الجهد وأنه- في أي الإنسان- مهما بلغ به الغرور ومهما تفرعن وتجبر فلن ولن يقف ولو للحظة واحدة أمام قوة خالقا الكون ومجري السحاب. ولن ينجح من يسبح عكس التيار. لله درك أيها الإنسان، ما أعجبك، خرجت للدنيا أعمى وأبكم لا تعي شيئاً ولما ضربوك أبصرت ونطقت ولما كبرت تفرعنت! إلا ترى أنك تماديت في طغيانك؟ أما آن الأوان أن تراجع نفسك؟ وتحسب حساباً ( ليوم الحساب).. يوم يقوم الناس لرب العالمين؟ عبدالعزيز عبدالله المشرف عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية