عادت مجددا لغة المراوغة، التى يتفنن فيها الحوثيون، وعادت معها مباحثات السلام؛ التي تستضيفها الشقيقة الكويت، إلى المربع الأول، بإعلان الحكومة اليمنية تعليق المشاركة، اعتراضًا على عدم مرونة وفد الحوثيين، وحزب علي عبد الله صالح، والإصرارعلى تشكيل حكومة انتقالية، دون تسليم السلاح والمدن أولًا. وبهذا الخلاف تدخل المفاوضات التي ترعاها الأممالمتحدة منعطفًا خطيرًا، يهدد بعدم حل الأزمة قريبًا إن لم تتدخل أطراف أخرى خليجية وإقليمية، للحفاظ على ما بذل من جهود؛ عدم تفويت فرصة السلام، التي بدونها لن يهدأ اليمن ولن تستقر له دولة ولا حكومة. ومع أن العالم كان قد استبشر خيرا بلغة المهادنة، والتصريحات المعتدلة وغير المتشنجة التي صدرت عن القيادات الحوثية مؤخرًا، ونبرة ولهجة "المغازلة" التي أطلقوها باتجاه القيادة السعودية، إلا أن الوفد الحكومي وجد نفسه مجبرًا على الانسحاب من المفاوضات، احتجاجًا على مطالب وفد الحوثيين (وهي مطالب يراها المراقبون والسياسيون لا تحل أزمة بل تزيدها تعقيدًا) وخاصة مطلبهم بتشكيل حكومة شراكة وطنية، ليس من بينها ممثلون عن الحكومة الشرعية الحالية، وهو ما يهدد بوقف المباحثات، وينسف قرار انطلاقها الذي يهدف إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن القاضي بالانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة، وإدارة الحكومة الحالية للفترة الانتقالية لحين إجراء انتخابات جديدة. وصحيح أن الحوثيين جزء من النسيج اليمني، ويختلفون بالطبع عن الدواعش وأعضاء "القاعدة "، إلا أن تسببهم في اندلاع الخلاف حول الحكومة الانتقالية، يؤكد استمرار نهجهم ورغبتهم في السيطرة على كل شئون الحكم في الدولة اليمنية، والدليل لغة العناد التى تكسو تصريحات قيادتهم سواء المشاركة في مباحثات السلام، أو الأخرى التي تغرد وحدها خارج السرب، دون أدنى اعتبار لأزمة الشعب اليمني، والمعاناة التي يعيشها جراء اشتعال النزاع، وتعطش الحوثيين للسلطة، وتشبث حليفهم صالح بالحكم. وإذا كان الانسحاب المشروط، هدفه الأول تسجيل موقف حاسم ضد الحوثيين وأنصارهم، فإنه يثبت أن الحكومة الشرعية الحالية، المدعومة بتأييد عربي وخليجي وسعودي، اتجهت لمفاوضات السلام من مصدر قوة لا ضعف، وتريد بالفعل السلام القائم على الاعتراف بالشرعية وليس الانقلاب، وهو ما لم يفهمه أو يريد أن يستوعبه الطرف الآخر، الذي يصر على (أحادية المطالب)، وعلى عدم اعترافه ولو بشكل غير مباشر بالحكومة الشرعية، التي حققت لها انتصارات عاصفة الحزم، مساحة كبيرة من القوة؛ تمكنها من التفاوض بلسان الانتصار لا الهزيمة أو الانكسار. إن إصرار وفد الحوثيين وحلفائهم على تشكيل حكومة من بينهم فقط، وعودتهم للهجة التصعيد بعد المهادنة والمراوغة، يثبت للقاصي والداني أن مثل هذه الأساليب، ستضر بالحوثيين أنفسهم قبل بقية طوائف وفئات الشعب اليمني، كما تؤكد من جديد أنه لا أمل في سلام على الورق فقط، ولا أمل في جماعة لا تريد تسليم سلاحها، ولا المدن التي سيطرت عليها، ولا تريد أيضًا تفكيك ما سمته " اللجنة الثورية"، ويبرهن على أن أي مفاوضات لا تتوفر فيها حسن النية، أو التحرك لصالح كل اليمنيين وليس جماعة بعينها تعمل على " شرعنة الانقلاب "، سيكون مصيرها الفشل.