المشهد اليمني الإنساني يبعث على الأسى والحزن؛ جراء اعتداء ميليشيات صالح والحوثيين، وهو نتاج سنين من عسكرة الشعب اليمني، وهنا يبرز سؤال عن عسكرة الشعوب العربية؛ هل من صالح الشعب العربي أن يكون مسلحاً؟ رؤى العسكرة كثيرة ومختلفة، تبدأ بالتجنيد الإجباري أو الاختياري، وتنتهي ببيع الأسلحة وترويجها دون ترخيص وتقنين ودون حسيب أو رقيب. بالنسبة للتجربة اليمنية المعقدة التي تختلط فيها عادات القبائل وتراثها المسلح، والذي تعوَّد فيها الطفل اليمني على رؤية السلاح ليس في الأفراح فحسب؛ بل في الحياة اليومية العادية، وكما قد يظهر في قبائل مختلفة ممتدة على الساحل وجبال السروات في جنوب الجزيرة العربية، وهي تجربة لا يمكن القياس عليها؛ نظراً لطبيعة الحياة القبلية التي جعلت مشهد السلاح أمراً مألوفا، وجزءاً لا يتجزأ من التراث اليمني الشعبي كرمز للقوة والشجاعة. مشكلة عسكرة الشعوب أنها في الغالب قد ترتد بشكل عكسي على الشعوب العربية التي تتم عسكرتها، وهو ما نشهده اليوم في اليمن من تحول المجتمع إلى ميليشيات، تديرها مجموعات مسلحة، لا يمكن السيطرة عليها، وتوجه أسلحتها صوب صدور إخوانهم من اليمنيين العزَّل الذين لا حول لهم ولا قوة، وهنا مكمن الخطر أن يتحول المجتمع إلى تطاحن عسكري؛ بحيث يتم استهلاك الأسلحة في صراع قبلي أو مذهبي أو طائفي، وتتحول المجتمعات العربية إلى جزر؛ تبحر كل جزيرة ضد الأخرى، وبدلا من أن تكون المجتمعات عاملة ومبدعة ومنتجة تتحول إلى ثكنات عسكرية متقاتلة، تهلك نفسها بنفسها، وتظهر في المجتمع وحوش ضارية؛ يأكل بعضها بعضاً في غابة لا ترحم أحداً، كما يحدث الآن في اليمن وليبيا اللتين تمت عسكرتهما، وتسليح الشعب فيهما؛ فتولدت فيهما دوافع الانتقام والقتل والصراع، يوقد شرارتها تجار الأسلحة وميليشيات تزعمتها أحزاب سياسية أو جماعات إرهابية أو بؤر طائفية، كل ذلك نتيجة رؤى عسكرة الشعوب.