السبت الماضي، أعلن الحرس الثوري الإيراني، مقتل 13 مستشارا عسكريا من عناصره، وإصابة 21 شخصا آخرين، دفعة واحدة في سورية. وقبل ثلاثة أيام، قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشورى الإيراني، إسماعيل كوساري "إنه وفقا لأحدث الأرقام، قتل 13 وأصيب 18، وأسر خمسة أو ستة". وهذه ليست المرة الأولى التي يقتل أو يتم فيها أسر جنود إيرانيين في سورية، بينهم ضباط كبار، غير أن القيادة الإيرانية حرصت سابقا على التقليل من حجم تدخلها في البلاد العربية، إلى الوقت الذي تدخل فيه الروس، فبدؤوا كما يبدو سباقا معهم حول من يكون الأكثر حضورا ونفوذا لدى حصر النتائج. وفي هذا التسابق لم يعد الإيرانيون يجدون حرجا في الإعلان عن قتلاهم، وتأكيد أنهم بصدد إرسال المزيد من القوات إلى سورية، تحت عنوان مذهبي صريح هو "الدفاع عن مسجد السيدة زينب في دمشق"، وإن كان هؤلاء يقتلون في معارك ضد أبناء الشعب السوري على بعد مئات الكيلومترات من المسجد المقصود، ومن أجل أهداف أخرى، أولها الدفاع عن نظام الأسد الذي يعتبرونه خطا أحمر، وثانيها وهو الأكثر أهمية، بسط النفوذ عبر ميليشيات مذهبية على سورية، امتدادا إلى العراق شرقا ولبنان غربا. تلك الميليشيات، خصوصا حزب الله في لبنان، تكبدت ولا زالت خسائر فادحة في الأرواح، وفاق عدد قتلى ذلك الحزب ألف قتيل، يتوزعون على مختلف القرى والمناطق في لبنان، وفي معركة تل العيس في ريف حلب قبل نحو شهر خسر الحزب عشرات القتلى، ووجهت أوساط الحزب اللوم، كما فعل الإيرانيون بعد معركة خان طومان، للنظام والروس لعدم إدخال طائراتهم في المواجهة، وقصف مجموعات الثوار المهاجمة، الأمر الذي جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرد على حلفائه خلال ترؤسه اجتماعا لقيادته العسكرية، ويعلن أن القوات الروسية نفذت أكثر من 10 آلاف طلعة جوية فوق سورية، و178 طلعة للقاذفات الإستراتيجية وأطلقت 115 صاروخا من نوع كاليبر "كيروز" من سفن وغواصات في بحري قزوين والمتوسط.
تبريرات فاشلة لم تنفع التبريرات الإيرانية لحجم الخسائر في صفوف الحرس ومتفرعاته في إقناع أهالي القتلى في لبنانوإيران، بصحة وجدوى التدخل في سورية، خصوصا بسبب المجازر المرتكبة في هذا البلد على يد تلك الميليشيات، وبعد خروج العراقيين عن صمتهم وإطلاقهم هتافات من نوع "إيران بره بره"، ومثلما حصل في العراق حصل ويحصل في لبنان، حيث كانت الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية امتحانا لنفوذ حزب الله، أظهرت نتائجها انقساما عموديا في البلدات الأساسية التابعة للحزب. لقد فهم الإيرانيون من جماعة الولي الفقيه، أن استنهاض جمهورهم الذي يساق إلى معركة في بلاد أخرى، يحتاج حضورا مباشرا وتطمينات وإعادة شرح للأسس المذهبية، مع جرعات مالية ومعنوية ضرورية، خصوصا أن القتلى من عناصر الميليشيا أو الحرس يأتون من بيئات فقيرة وريفية في إيران أو لبنان، إضافة للاجئين الأفغان الهزارة الذين جندوا في ما يسمى لواء الفضل، ليقتلوا في سورية.
بث التطمينات عملت القيادة الإيرانية على خطين لبث التطمينات، الأول إيراني داخلي، تضمن عددا من الوقائع، من بينها أنه بعد خسائر خان طومان توعد كل من أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري، محسن رضائي، وممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، بالانتقام للجنود الذين بلغ عددهم 80 جنديا بين قتيل وجريح وأسير. وفيما قال شمخاني إن إيران ستنتقم لقتلاها بالتعاون مع روسيا والأسد وحزب الله، كان نائب قائد الحرس العميد حسين سلامي أكثر وضوحا، وقال "سنسترجع المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، ولدينا إشراف تام على الأوضاع في سورية".ومن الوقائع أيضا، ما ذكره نائب وزير الخارجية حسين عبداللهيان في موسكو أن إيران بدأت زيادة عدد مستشاريها في سورية، كما نشرت وكالة "تسنيم"، أول من أمس، أن قائد فيلق القدس، قاسم سليماني "تفقد المتطوعين اللبنانيينوالعراقيينوالإيرانيين في جبهة خان طومان لطمأنتهم"، وكذلك حرص الرئيس الإيراني على توجيه التحية لسليماني خلال زيارته كرمان الإيرانية، في محاولة أخرى لإعادة الثقة.
أتباع الخارج لم تقتصر عمليات رفع المعنويات على الداخل الإيراني فقط، فكلام القادة الخمينيون موجه أيضا إلى الأنصار والاتباع في الخارج، خصوصا في لبنان وهو ما يمثل الخط الثاني في رسائل الطمأنة، حيث لم تكتف طهران بالرسائل من بعد، بل أوفدت إلى بيروت عددا من مسؤوليها، الذين لم يكتفوا بلقاءات مع قيادات حزب الله، بل اجتمعوا مع عائلات القتلى وأسمعوهم الكلام المذهبي المعتاد. وخلال أقل من شهر بعد معركة تل العيس قرب حلب تدفق الإيرانيون إلى لبنان بكثافة، حيث التقى معاون الرئيس، محمد علي شهيدي، قيادات حزب الله وعائلات القتلى، وبدوره زعم مستشار النائب الأول للرئيس، صادق خرازي، من بيروت، أن إيران ضمانة للعرب. وترأس أمين عام "مجمع أهل البيت"، محمد حسن اختري، في بيروت اجتماعا بهدف دعم حزب الله والدفاع عن إيران. وكذلك زار مستشار خامنئي، علي أكبر ولايتي، نصر الله وزعم أن إيران وسورية تحميان المقاومة، بعد ذلك يزور الأسد في دمشق في إطار الدعم.