تمكن حزب الله، خلال السنوات الأخيرة من مصادرة قرار الدولة اللبنانية، من خلال إطالة أمد الشغور الرئاسي. وتشير مصادر مطلعة إلى أن الحزب المذهبي يسعى في الوقت الراهن إلى تشريع إرادته، عبر عقد "مؤتمر تأسيسي" ينسف اتفاق الطائف الذي يوزع الصلاحيات بين الطوائف اللبنانية، ويطرح اتفاقا جديدا ينص على انتخاب رئيس من الشعب، اعتمادا على أكثرية شيعية، تلتزم فتوى المرشد الإيراني بالاختيار، واستحداث منصب نائب رئيس للجمهورية شيعي المذهب، وضبط صلاحيات رئيس الوزراء السني، بعد أن وضع اتفاق الطائف الصلاحيات في عهدة مجلس الوزراء مجتمعا. وتضيف المصادر ذاتها أن بنود المؤامرة الإيرانية تتضمن أيضا إعادة النظر في توزيع وظائف الفئة الأولى في الدولة، بما يسمح بوضع اليد على مواقع رئيسية، مثل قيادة الجيش والبنك المركزي. ويدرك عموم الشعب اللبناني أن إيران تمنع انتخاب رئيس لبلادهم، معللين ذلك بالنفوذ الذي فرضته، عبر إنشاء حزبها الخاص، الذي تحول مع الوقت إلى دولة داخل الدولة، وهو بتعطيله الانتخابات الرئاسية، ووضع يديه على كل مفاصل المؤسسات، يكاد يتحول إلى بديل للدولة نفسها. استمرار الشغور بحلول 25 مايو المقبل، يكون لبنان أنهى عامين كاملين دون رئيس، بعد أن فشلت 39 جلسة برلمانية في التصويت على أعلى منصب بالبلاد، وسط توقعات بأن جلسة العاشر من مايو المقبل لن تضيف شيئا يغير من واقع بيروت. ويرى مراقبون أن خطة إحكام السيطرة الإيرانية على لبنان لا تسير ضمن سياق واحد، بل إن هناك السياقين الإقليمي والمحلي، مشيرين إلى أنهما يلتقيان عند نقطة محددة وهدف واحد هو إلحاق لبنان بمنطقة النفوذ الإيرانية. خلفية تاريخية منذ تأسيس حزب الله بواسطة إيران عام 1982، أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ظهرت نواياها التوسعية إلى العلن بسرعة، إذ أرسلت المئات من عناصر الحرس الثوري إلى البقاع، بحجة مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، مستغلة ضعف القيادة السورية وتواطؤها في لحظة الانهزام أمام تقدم جيش الاحتلال، لتبدأ تغييرا شاملا في تركيبة الطائفة الشيعية، التي كانت قيادتها ممثلة في الإمام موسى الصدر، ثم خليفته نبيه بري، محسوبة على نظام آل الأسد. واستلزم الأمر خوض معارك دموية بين حركة أمل بقيادة بري، وحزب الله بقيادة إيرانية، ذهب ضحيتها ألوف المواطنين في بيروت وجنوب لبنان، للوصول إلى ما سمي في حينه اتفاق هاشمي رافسنجاني - حافظ الأسد، الذي كرس تقاسم شيعة لبنان بين نظام طهران ونظام الأسد، مما لا تزال تداعياته قائمة حتى اليوم في الوسط الشيعي اللبناني. وأشارت مصادر تاريخية إلى أن ذلك الاتفاق كلّف حزب الله بمهمة القتال ضد الإسرائيليين بإشراف سوري وإيراني، لضبط سياق المواجهات ومنعها من التحول إلى انفجار كبير يهدد الأمن السوري، بينما مُنعت القوى اللبنانية الأخرى التي كانت ناشطة في مواجهة الاحتلال من التحرك، فانتهت عمليا صيغة "المقاومة الوطنية" لمصلحة "مقاومة إسلامية" لم تكن في حقيقتها سوى صيغة إيرانية مذهبية، أريد لها أن تسهم في تمزيق النسيج الوطني اللبناني. إشادة مذهبية قبل أيام وصف علي خامنئي حزب الله بأنه شمس ساطعة، ومن قبل أغدق قادة إيران على هذا الحزب أوصافًا وأموالا وأسلحة، جعلته أكبر الاستثمارات الإيرانية في المنطقة العربية. وعندما تخوض إيران معارك هيمنة ونفوذ في اليمن والعراق وسورية، وتمد أيدي استخباراتها إلى دول الخليج العربي والعديد من دول العالم، تجد في الحزب ذراعا تنفيذية مطواعة، ومستعدا لتقديم آلاف القتلى من عناصره وقتل الألوف من السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين في سبيل فتوى القائد في طهران. وانطلاقا من المعطيات السابقة، يرى محللون أن إيران لا ينتظر منها أن تسهم في إعادة الحياة الدستورية الطبيعية إلى لبنان، وهي أبلغت موقفها صراحة إلى موفدين ومسؤولين في روسيا وفرنسا، مكتفية بترديد اللازمة البعثية السورية القديمة: "نحن مع ما يتفق عليه اللبنانيون". مساعي الهيمنة يؤكد خبراء أن المخابرات السورية في عهد حافظ الأسد كانت تمنع الوصول إلى اتفاق لبناني، بينما تتولى المهمة حاليا إيران، عبر إرهاب حزبها. ويضيف الخبراء أن طهران تنتظر وتأمل أن يتم تكريس دورها الإقليمي، بصفتها صاحبة نفوذ ودور قيادي في المشرق العربي، في إشارة إلى استحالة أن تحدث تغييرا إيجابيا في لبنان وغيره من البلدان، مثل سورية والعراق واليمن. ومحليا، أدى تضخم دور حزب الله والإمكانيات الضخمة التي تضعها طهران تحت تصرفه، إلى تزايد مطامعه المذهبية والفئوية، وتصعيد رغباته الدفينة في إحداث انقلاب على اتفاق الطائف الذي أقره اللبنانيون برعاية المملكة.