يرى الباحث التونسي فاروق زمزمي أن الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا عزلت دول شمال إفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب) عن باقي الدول العربية بالشرق الأوسط، مما جعلها أكثر الدول التي احتضنت مزيجا من الأعراق والثقافات المختلفة. وقال في محاضرة نظمها صالون السقيفة بنادي المدينةالمنورة أمس بعنوان (التطور العرقي لشعوب أفريقيا) وأدارها الشاعر مروان المزيني: إن الصحراء سببت عزلة وتباعد في التركيبة السكانية والثقافية لدول شمال إفريقيا، مشيراً إلى أن دراسة جينية قامت بها تونس خلال الأسبوع المنصرم على 1400 شخص (من ضمنهم المحاضر) بينت أن نسبة العرب 13 % فقط وأن البربر يمثلون 53 % وهم النسبة الأعلى بين سكان تونس اليوم. وأضاف: البربر كلمة إغريقية أطلقها اليونانيون على كل من لا ينتمي لمنظومتهم الثقافية والحضارية ويعتبرون السكان الأصليين لتونس، وهم من غير العرب الذين قبلوا الإسلام، وظهر منهم قادة مسلمون منهم القائد المسلم طارق بن زياد والرحالة ابن بطوطة. ألفاظ غريبة يؤكد زمزمي أن هذه العزلة الثقافية والعرقية التي تسببت فيها الصحراء الكبرى، جعلت دول شمال إفريقيا أكثر تأثراً بالمد القادم من البحر الأبيض المتوسط الذي فتح تلك الدول على العالم ورسم لها صبغة سكانية وثقافية تختلف عن باقي الدول العربية. وأضاف: كانت الصحراء الكبرى التي تعد أكبر الصحارى الحارة في العالم بمساحة تفوق ال9 ملايين كيلومتر مربع، بمثابة السد المنيع الذي منع زحف خليط الأعراق والثقافات لباقي دول الشرق الأوسط، وتسببت في انغلاق شمال إفريقيا خلال القرون الماضية، مما باعد بينها وبين الدول العربية في الثقافات والتركيبة السكانية. واستعرض زمزمي بعض مظاهر اختلاف الثقافات واللهجات وغريب الألفاظ في دول شمال إفريقيا، التي انفردت بها عن غيرها مثل تغيير معاني المفردات واستخدامها لأضدادها، فهم أصحاب استخدام المتضادات في اللغة فيطلقون على الفحم اسم (البياض)، وعلى الأعمى (البصير)، والنار (العافية)، والسخان (البرّاد) والصحراء (مفازة) من النجاة والفوز، مما حصرهم بمفاهيم معاكسة لمفاهيم العرب الآخرين. العبيد البيض يعتبر العبيد البيض من غرائب المزيج السكاني بتونس حسب رأي المحاضر وهم من أصول إسبانية وفرنسية ويونانية وإيطالية، ويعتبرون من العبيد الذين تحرروا وبقوا ضمن المزيج العرقي بتونس، وهم من دخلوا البلاد أثناء الحروب والفتوحات الإسلامية، ولما منعت تونس العبودية في عام 1846 انصهروا مع باقي مكونات الشعب التونسي. وقال زمزمي: سيطر الأمازيغ (البربر)على تونس، وما يزالون يمثلون النسبة الأكثر بين سكانها شانها شأن دول شمال إفريقيا، وكانوا في بداية أمرهم نصارى لا يتحدثون العربية، ولما استقر الإسلام في المنطقة وجدت العربية مكانة بعد خمس فتوحات متتالية، حيث ساعد في تعريب شعوب تلك الدول وفود العائلات والقبائل العربية خاصة مع هجرة بني هلال وبني سليم من جنوب الجزيرة العربية، محدثة بذلك توازنا ديموجرافيا جديدا عرف بغلبة العنصر العربي. خطبة طارق غير صحيحة شهدت المحاضرة مداخلات متعددة كان أبرزها مداخلة أستاذ الجغرافيا بجامعة طيبة الدكتور عبدالحق الهواس الذي أكد براءة القائد البربري المسلم طارق بن زياد من حادثة إحراق السفن والخطبة العربية المشهورة الذي جاء فيها (البحر من أمامكم والعدو من خلفكم ..) مؤكداً أنه من البربر ولم يكن يتحدث العربية، ولا يملك السفن التي كانت مستأجرة لعدم امتلاك المسلمين بذلك الوقت السفن الكبيرة، مستغرباً من المؤرخين الذين ينسبون له إحراق السفن والمقولة الشهيرة (العدو من أمامكم والبحر من خلفكم) ووصف ذلك بالمبالغات التي ترد في المؤلفات التاريخية.