في محاولة منه للخروج من مأزق التهم الموجهة إليه حيال ارتكاب جرائم وأعمال عنف داخل الأراضي الفلسطينية، اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى اتهام مؤسس موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بالتحريض على العنف. وقال نتانياهو "تآمر علينا مؤسس موقع فيسبوك، مارك زوكربيرج، كما فعل بن لادن من قبل، حيث تمتلئ صفحات فيسبوك بالنشطاء والتحريض على زعزعة الاستقرار في إسرائيل". ويذكّر موقف نتانياهو بمطالبة قاض إيراني العام الماضي بمثول مؤسس فيسبوك أمام المحكمة، للرد على ادعاءات بالتعدي على الخصوصية، وسط تصاعد أسئلة ملحة حول تفوق وسائل التواصل الاجتماعي وانحيازها لمصلحة القضايا العادلة، وفضح القمع والقهر، والرد على أكاذيب الإعلام الرسمي المضلل. دفع التهرب من استحقاقات القضايا العادلة للفلسطينيين، ومنها "حل الدولتين"، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، إلى عدم الاعتراف بأن "الانتفاضة الثالثة" قد بدأت بالفعل، حيث أرجع العنف والاضطرابات إلى موجة التحريض التي تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي قائلا "تآمر علينا مؤسس موقع فيسبوك، مارك زوكربيرج، كما فعل ابن لادن من قبل، حيث تمتلئ صفحات فيسبوك بالنشطاء والتحريض على زعزعة الاستقرار في إسرائيل" ومعاداة السامية. موقف نتانياهو يذكر بمطالبة أحد القضاة في إيران في العام 2014 بمثول مؤسس فيسبوك أمام المحكمة، للرد على ادعاءات بالتعدي على الخصوصية، كما اتهمه بالصهيونية. وما بين اتهامات نتنياهو ووصف إيران، تتصاعد أسئلة ملحة، كيف تخوض أدوات العصر ووسائل التواصل الاجتماعي المعركة لصالح القضايا العادلة في العالم المعاصر؟ وكيف تفضح القمع والقهر، وأكاذيب الإعلام الرسمي الذي ظل قرونا يزيف الحقائق ويضلل الرأي العام؟ في عام 2009 اعتقلت السلطات في طهران 30 من أعضاء شبكة ما يعرف ب "حرب الإنترنت الأميركية" في إيران. وطبقا لبيان الادعاء العام الإيراني وقتئذ، فإن شبكة "إيران بروكسي"، كما أطلق عليها، كانت جزءا فاعلا في هذا المشروع الذي تم تمويله بواسطة الاستخبارات الأميركية بمبلغ 50 مليون دولار. التهم التي وجهت لهؤلاء الشباب هي: اختراق بنك المعلومات العام، وتخريب المواقع الحكومية، وإيجاد غطاء آمن لنشاطات المعارضة في شبكات افتراضية ضد إيران، وتأمين وسائل وطرق آمنة لاتصال مواطنين إيرانيين بإذاعات وقنوات أجنبية. استبداد إيران ما شهده العالم في العام 2009 في شوارع إيران وميادينها، عبر شاشات التلفزيون والكمبيوتر والمحمول، كان أكبر من مجرد احتجاجات غاضبة علي نتيجة انتخابات، وأصغر من الثورة الشاملة على نظام الملالي في إيران، ولكنه كان يعبر، في النهاية، عن قمع الدولة الاستبدادية في أبلغ معانيها. تماما مثلما شاهده العالم خلال الأسابيع الماضية ولا زال يشاهده حتى اليوم في فلسطينالمحتلة، وكيف تمارس إسرائيل أبشع أنواع التعذيب والقتل، بلا رحمة، ضد الأطفال والشباب الأعزل. ما نشاهده اليوم، حسب المحلل جورج بالانديه، هو "عولمة الحداثة" التي أثرت على ما هو خاص ومحلي لحساب ما هو كوني وعالمي، إذ إن العولمة هي بالأساس عولمة وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي، التي استخدمها الشباب الإيرانيوالفلسطيني بمهارة "في المراوغة والتهديف" في شباك الملالي في إيران والمتشددين في إسرائيل. كما يمكن القول إن تكنولوجيا الاتصالات تلاعبت بالاستقرار المطمئن بين الديني والسياسي في إيران وإسرائيل، وكلاهما دولتان دينيتان، مثلما تلاعب الإمام الخميني بها "عبر الكاسيت" منذ وصوله إلى السلطة عام 1979، وهو ما قلب مفهوم "السلطة" ذاتها رأسا على عقب، لتصبح خاضعة للتكنولوجيا، فاللغة الفارسية مصنفة على أنها رابع لغة تدوين على شبكة الإنترنت، ويوجد في إيران أكثر من مائة ألف مدونة تجري دراستها بدقة بالغة في مراكز الأبحاث العالمية، باعتبارها تعكس الوجه غير المعلن للمجتمع الإيراني، خصوصا شريحة الشباب. زوكربيرج يكشف ممارسات الدول القمعية كشفت وسائل الاتصال الحديثة أيضا الوجه القمعي لإسرائيل، ويتدارس الغرب حاليا المعاملة غير الإنسانية التي تتم من إسرائيل تجاه الفلسطينيين، لاسيما الشباب الذي يجيد التعامل مع العولمة وأدواتها، ويدرك أساليب تفاعلها القوية. وإذا كان هؤلاء الشباب هم كلمة السر فيما حدث ويحدث، فإن اعتقال أجسادهم والزج بهم في غياهب السجون الإسرائيلية لن يمنعهم من الاستمرار في ثورتهم الافتراضية على الإنترنت، وانتفاضتهم الثالثة على الأرض، فما يحسب لمؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرج، ليس مناصرته للقضايا العادلة، وإنما كونه سهل فضح الممارسات الصهيونية والإرهابية للدول القمعية التي تدعي الديموقراطية.