من يتابع تغريدات عدد من العلماء الشرعيين في المملكة على مواقع التواصل الاجتماعي، يدرك أن هناك قاسما مشتركاً بينها، وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان المبارك، حيث يتعلق الأمر بتحديد "ليلة القدر"، التي اختلفت الروايات في تحديدها، والأرجح أنها في الليالي الوترية من العشر الأواخر. عميد كلية الشريعة السابق بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض الدكتور سعود الفنيسان، غرد في حسابه قائلاً: "نرجو عدم تثبيط الناس عن العبادة في العشر الأواخر، بتحديد ليلة محددة هي ليلة القدر، فما أخفاها إلا لمصلحتك". تبعتها تغريدات كثيرة من عدد غير قليل من العلماء الشرعيين، تصب في نفس الفكرة الرئيسية من عدم التحديد. ---وسائل التواصل في إحدى مجموعات التواصل بدردشة الهاتف المجاني المعروف ب"الواتسأب"، كان النقاش على أشده في العشر الأواخر، فالبعض كان يرسل رؤى من ليلة القدر كانت في ليلة الواحد والعشرين، ليرد عليه آخر بقوله: "أرجوك لا تثبطنا عن العبادة، ونسأل الله القبول". يشير هنا الباحث الشرعي محمد السليماني في حديثه إلى "الوطن" إلى أن وسائل التواصل الحديثة لعبت دورا مهما في هذه الجدلية والإشكالية كثيراً، مما تسبب في زيادة النقاش أو الجدل، فهناك حزمة رسائل تنتشر في العشر الأواخر تقول: "إن الرؤى تتابعت أن هذه الليلة هي ليلة القدر، هذه الجملة ستصلك في الليالي القادمة، لتحرمك عبادة ما بعدها، فلا تتلقف واجتهد في كل الليالي"، ويعلق السليماني بالقول: "أرجوك لا تنشر أي شيء من هذه الرسائل لأنها توقف الناس عن التلذذ بفضل وعظمة العشر الأواخر". المنتديات والمواقع الإلكترونية ليست ببعيدة – بحسب السليماني- من تهمة التشويش التي يحاول بعضها عبر طرح عدد من رؤى الناس، بتحديد ليلة محددة تطابقت مع علامات "ليلة القدر"، واعتبر السليماني ذلك ضرراً بالمقاصد الشرعية بمفهوم العبادة في العشر الأواخر من رمضان. كما تلجأ بعض المنتديات والمواقع الإلكترونية إلى شكل آخر، حيث تقوم بتصوير علامات "ليلة القدر"، وبخاصة ما يتعلق بطلوع شمس من غير شعاع، بشكل مفصل ومتسلسل، وآخرون يقومون بنفس الطريقة، ولكن بأسلوب أكثر تفصيلاً، عبر طرح صور لليالي مختلفة، كجزء من حالة الإقناع، بغرض تحديد ليلة محددة أنها ليلة القدر. --- محفزات العشر يمكن القول إن محفزات العبادة في العشر الأواخر، تأخذ الحظ الأوفر في توعية الناس، حيث تلجأ بعض مكاتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات إلى تركيز برامجها التوعوية في العشر الأواخر عبر "الكلمات الوعظية"، وبعضها اعتمد على الوسائل التقنية، كتجهيز مقاطع بفواصل زمنية محددة، لعدد من المشايخ الذين لديهم قبول وسعة، ويعتبر مقطع الدكتور صالح المغامسي أشهر تلك المقاطع، التي انتشرت بشكل كبير في مجموعات الواتسأب، وهي عبارة عن وصايا للاستعداد لليالي العشر، وبخاصة الليالي الوترية منه. كما لجأت مكاتب دعوية أخرى إلى عمل برامج محددة في الليالي العشر لأهالي أحيائهم، كتنويع صلاة القيام "التهجد" عند بعض الأئمة القراء الشهيرين، بتوفير وسائل النقل مجاناً. للعلماء آراء في تعيين هذه الليلة، فمنهم من يرى أنها ليلة الحادي والعشرين، ومنهم من يراها ليلة الثالث والعشرين، ومنهم من يشير إلى أنها ليلة الخامس والعشرين، ومنهم من ذهب إلى أنها ليلة التاسع والعشرين، ومنهم من قال: إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر، وأكثرهم حددها بأنها ليلة السابع والعشرين، روى أحمد - بإسناد صحيح - عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله: "من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين".. وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه، عن أبيِّ بن كعب أنه قال: "والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان -يحلف ما يستثني- والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها.. هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها".