قد لا يكون الناس مطالبين بأن يصنعوا منك نجما أو يفتحوا لك أبواب السماء، فالإلهام هبة نادرة والفضل من شيم الكبار. لكن أقل ما يُنتظر ممن جاورك في الحياة ألا يكون عبئا على قلبك ولا شوكة في طريقك، ولا قيدًا على ذهنك. فإن لم يكن رفعة فلا يكن سقوطًا. ولعلنا لا نطلب من البشر أن يكونوا ملائكة، لكننا نرجو -على الأقل- ألا يكونوا عبئا مقيما. فليست كل العلاقات مشروطة بالإثراء، لكن بعضها -ويا للمفارقة- مشروط بالأذى. لا يمنحك علما ولا يبذل لك فهما، لكنه لا يرتاح حتى يُفسد عليك وضوحك ويُرخي في عقلك غيوما من الشكّ والتعب. والأدهى من ذلك أن بعضهم لا يُسعِده أن يراك تنهض لا لأنهم يكرهون النهوض، بل لأنك نقي صادق، لم تلعب لعبتهم. فتراهم إن صعدت طعنوا في سلمك، وإن صمت، اتهموا سكوتك وإن نطقت بعقل وصفوك بالكبر، وإن تعاطفت قالوا عنك ساذجًا. إنها عداوة لا تقوم على خصومة فكر، بل على فشلهم في مجاراة نقائك. وقد يُقال: أليس في هذا تحامل على الناس؟ فنقول: بل إن الصبر على أمثالهم هو التحامل الحقيقي على النفس . فليس من العدل أن تُبقي على من أثقل روحك فقط لأنه مألوف، أو أن تُبرر الأذى بداعي القُرب. فإن القريب الذي لا يُعينك على صفائك، هو عدو في ثوب حبيب وظل لا يفيء بل يُطفئ. ولو شئت شاهِدًا على ما نقول، فتأمل في حياة الكبار؛ من فيلسوف اعتزل جلساء البلادة، إلى شاعرٍ أغلق بابه في وجه الحساد. لم يكن التجني ديدنهم، بل طلب السلامة من الضوضاء. فالضجيج لا يصنع فكرًا، والازدحام لا يُنبت زهرة. قلها لنفسك، وكرّرها حين تتردد: إن لم تكن قادرًا على إثراء حياتي، فلا تكن عذابا يضيق صدري. فالسكينة لا تُشترى والكرامة لا تُساوم، ومن لا يحمل لك جناحا، فلا يحملك على ظهره أثقالا بلا معنى.