دكتور فيه محاضرة اليوم؟ بهذا السؤال بدأت يومي، هي رسالة من أحد طلابي وصلتني في ساعة متأخرة جدا من الليل تلامس حدود الفجر. أدرك تماما حسن نية الطالب وعدم رغبته بإزعاجي بهذا التوقيت، لكنه فقط جعل أولوية حصوله على المعلومة فوق كل شيء، من دون مراعاة لآداب التواصل وتوقيته. رغم أني لم ألمح إلى إلغاء المحاضرة، ولم أتطرق لأي شيء في المحاضرة السابقة. فالأصل بديهيا أن المحاضرة مثبتة في توقيتها دون تغيير! وفي طريقي للمحاضره بدأت الأفكار تتسكع في عقلي، وتساؤلات عن كيفية التعامل مع هذا الطالب والموقف؟ هل أوبخه على سؤاله؟ أم على توقيت إرساله؟ أم على أسلوب الكتابة العفوي العامي؟ ثم توسعت أكثر إلى طبيعة التواصل بين الأستاذ والطالب. تصلني وتصل زملائي العشرات من الرسائل والإيميلات، وحتى في الرسائل الخاصة بحساباتنا على شبكات التواصل الاجتماعي، كلها بالأسلوب نفسه والتوقيت المتأخر. حيث يتحول دورنا في بعض الأحيان إلى مهام تربوية خالصة ونبذل في بعض المحاضرات وقتا وجهدا، فقط لشرح فكرة التواصل الفعال بين الطالب والأستاذ. رغم أننا نضع الإجراءات وطرق التواصل وخطة سير المنهج في بداية كل فصل،إلا أن المشكلة تتكرر في كل فصل. هواجس الطريق جعلتني أقارن -عفويا- كيف كانت طرق التواصل سابقا بيننا كطلاب وبين أساتذتنا في المرحلة الجامعية تحديدا. ورغم أننا في قسم يدرس فنون التواصل فإننا كنا نفشل داخليا بالتواصل مع أساتذتنا بسهولة. فأنت محظوظ جدا لو صادف وجود أستاذك بمكتبه وقت احتياجك له، خلاف ذلك ستكون تحت ذمة الانتظار السرابي. الجيل الحالي وثورة تطبيقات الإعلام الرقمي بتنوعها، وسرعة وتيرة الحياة، هو ما جعل شبابنا وشاباتنا يتبنون هذا الأسلوب في التواصل، ولعل الجائحة وإفرازاتها الاجتماعية وتأثيرها في منظومة التعليم بشكل عام، عززت من هذا الأسلوب الاتصالي العفوي المباشر. إضافة إلى أن التواصل الكتابي عموما شحيح المشاعر مهما تمسكنا به. انتظار أوقات طويلة بلا وسيلة تواصل مع أستاذك كما كان (سابقا)، وتواصل عشوائي بأسلوب سطحي في أوقات حرجة كما يحدث (حاليا) كلها طرق مرفوضة. من حق الطالب معرفة ما إذا كانت المحاضرات مستمرة ويومه الدراسي مستمر بلا تغيير احتراما لظروفه ووقته. كما أن الأستاذ كذلك من حقه أن تحترم خصوصيته، وأن يكون التواصل معه وفقا للطرق التي يتفق عليها مع طلابه. فالوسائل اليوم كلها متاحة، يتبقى تطوير أساليبنا في التواصل، ومراعاة الظروف المحيطة ونوعية العلاقة بين المرسل والمستقبل.