تعاني وزارة العمل والتنمية الاجتماعية من تضخم شديد في مسؤولياتها الإدارية، وترهّل عميق في هيكلها التنظيمي، إذ تحوي تحت مظلتها جميع ما يتعلق بنظام العمل في القطاع الخاص، من تشريعات وأنظمة وبرامج ومبادرات لمعالجة إشكالات السوق المختلفة، سواء ما يتعلق منها بموارده البشرية، أو ما يتصل بتكوينه الهيكلي والتنظيمي، ودوره في الإسهام في الإنتاج المحلي، علاوة على المسؤولية المضافة إليها في تحقيق إنجاز وتقدم في قطاع التنمية الاجتماعية لجميع الشرائح والمؤسسات المعنية بها، وبجميع ما يتضمنه من مهام وقضايا تثَقُل عن تحمل إدارتها، وزارة قائمة بذاتها، فكيف لها أن تُحتَوى تحت مظلة وزارة العمل، التي لم تحقق نجاحا ملموسا حتى الآن في تحمل مسؤولياتها نحو إصلاح إشكالات سوق العمل ومعالجته بكل سلبياته التي تطفو على السطح. ولعله من المناسب الإشارة إلى ما يتضمنه قطاع التنمية الاجتماعية الرسمي من مسؤوليات مختلفة لقطاعات متباينة الاتجاهات ومتشعبة المضمون، ولكنها تلتقي جميعها حول هدف رئيس موجّه نحو تنمية فئات مختلفة من شرائح المجتمع، تحتاج إلى الدعم المادي أو الإداري والتنظيمي في تحمل المسؤولية الاجتماعية نحوها، كالأيتام وما يحتاجونه من متطلبات، والطفولة وما يرتبط بها من مسؤوليات ورعاية صحية وجسمية ونفسية، وذوي الاحتياجات الخاصة وما يأملونه من احتواء وتأهيل ودمج في كل القطاعات والمهن، أو المسنين وما يتطلعون إليه من رعاية صحية واجتماعية ونفسية ينعمون بها في ظل مجتمع ووطن يحميهم، ويحقق آمالهم وحاجاتهم، أو رعاية الأحداث وما يتصل بهم من قضايا مهمة، أو الحماية الاجتماعية في بيوت الرعاية، لمن يلوذون لتلك البيوت حاجةً، أو إنها تشكل ملجأهم الوحيد، أو مكافحة التسول وما يتضمنه من قضايا خفية تشوه المظهر الحضاري للوطن، هذا إضافة إلى ما ينضوي تحت مظلة هذا القطاع من مسؤوليات متابعة لمشمولي الضمان الاجتماعي ومتطلباتهم المتنامية، علاوة على الإشراف على الجمعيات الخيرية والتعاونية على اختلاف توجهاتها، والإرشاد الاجتماعي متعدد المحتوى والموضوع، أو الإعانات الاجتماعية الدائمة، إضافة إلى مسؤوليتهم الاجتماعية عن الشباب وما يتعلق بهم من برامج ومبادرات، يمكن خلالها استثمار طاقاتهم ومواهبهم وأوقاتهم المهدرة، علاوة على مسؤوليتهم في الإشراف على مؤسسات المجتمع المدني وما يرتبط بها من فاعليات ونشاطات وبرامج تنموية مختلفة تسهم بها في خدمة المجتمع. وما يجب التأكيد عليه، أن الدولة ترصد كثيرا من النفقات المادية والمالية، وتضع الخطط لتوجيه المسؤولين نحو الاهتمام بمتابعة جميع منسوبي القطاع المعني بالتنمية الاجتماعية، والعمل على تطويره ليتلاءم مع المتطلبات المستجدة والحاجات المتنامية، ولكن في إطار ذلك التضخم في المهام والتكاليف الإدارية والمسؤوليات المتشعبة، فإنه من الصعوبة بمكان تحقيق درجة معقولة ومميزة من الرضا المطلوب، عن عطاء وأداء كثير من الجهات المعنية بالتنمية الاجتماعية بقطاعاتها المختلفة. بمتابعة القضايا المطروحة إعلاميا ومجتمعيا حول موضوعات تتصل بمسؤوليات التنمية الاجتماعية، يمكننا رصد وتقييم مدى نجاح الوزارة في معالجة إشكالات ذلك القطاع بجميع تفاصيله وتشعباته، والتي تشير إلى ضعف وخلل في إدارة ملف التنمية الاجتماعية، بما يتضمنه من أهداف وتطلعات مأمولة. ومن جهة أخرى، فإن التساؤل الذي يفرض نفسه؛ هل نجحت الوزارة في إدارة قطاع العمل بالقطاع الخاص، وتمكنت من معالجة إشكال سوق العمل الهيكلي والإداري والبشري؟! مما لا شك فيه، أن تضخم المسؤوليات المختلفة، وتراكم التكاليف الإدارية المتباينة، لا يعوق فقط إمكان النجاح في تحقيق أهداف القطاع الأساس المعنى به، وإنما يسهم كذلك في الإخفاق في جميع مسؤولياته المنوطة إليه، وكما يقول الكاتب الإنجليزي مايكل كوردا «إن الميزة الوحيدة التي تجمع بين الناجحين في العالم، تكمن في قدرتهم على تحمل المسؤولية»، ويقول سبحانه وتعالى: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها». وما يجب استدراكه، أن تراكم التكاليف لا يؤدي فقط إلى تدهور الأداء، لترهل القطاع باتساع مسؤولياته الإدارية وتضخمها، بل يؤدي كذلك إلى تبديد الجهود وتشتيت النفقات بدلا من تقليصها وتركيزها، وبما يحول دون إمكان حصد النتيجة المرجوة، أو تحقيق الأهداف المقصودة. وعليه؛ فإن فصل التنمية الاجتماعية عن وزارة العمل إداريا وهيكليا، وبجميع ما يتصل بذلك من إجراءات وآليات، أصبح مطلبا مُلحّا وضرورة تفرضها متطلبات التنمية الاجتماعية المأمولة لتحسين مستوى الجودة في الأداء، وتلبية للرؤية الطموحة نحو التخصص في الإدارة والمسؤوليات، ليتميز العطاء ويجود الإنتاج في القطاعات المختلفة، وبذلك يمكننا المضي قدما نحو تحقيق جودة الحياة، التي نسعى إلى ترجمتها مشروعا تنمويا، يشمل جميع شرائح المجتمع، بما ينعكس على أمن اجتماعي واستقرار وطني ورفاه اقتصادي شامل.