أرسل لي صديقي من جدة عن إصابة أخيه بسرطان بروستات منتشر. صدمت بخبر سقوط الصديق صريع المرض فهو غارق في سبات. ثم بلغني نعيه. سألته أعرف أخاك قويا نشيطا كيف هو في سكرات الموت اليوم؟ قال لم ينتبه لسرطان بروستات انتابه وتمكن منه. ضرب الغدة ثم صعد صعودا أرهقه فسقط. إنه السرطان انتشر. في الطب نعرف هنا أن الطب عاجز. عاجز حتى اليوم كما كان في يوم عاجزا أمام السل والجذام. كان المجذومون يعزلون في واد خاص. أحسن تصويرهم فيلم (بن هور Ben Hure) حتى شفوا بنظرة من المسيح عيسى بن مريم. في القرآن أنه كان يشفي الأبرص، ومن ولد أعمى أكمه، بل وينبئهم بما يدخرون في بيوتهم، كما كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، لكن أعظمها على الإطلاق كان انبعاث إليعازر من الأموات. هنا تحدث فتنة فلا يحيي الموتى إلا الله. لم يحدثنا الإنجيل بالتفاصيل عن رحلة إليعازر في الأموات ثلاثة أيام. الطب حاليا اشتغل على أمور كانت من معجزات البارحة. لعل أهمها التخدير والجراحات الواسعة في ظل التعقيم. أذكر حين تخرجت من كلية الطب حديثا. جاءني جار يعمل نجارا في داريا قال لي أخي يعاني من ألم في الظهر وشدة في الإعياء. كان مصفر اللون مثل الليمون. قمت بفحصه على نحو نظامي؛ الصدر والقلب والبطن والمفاصل والفم والعيون ولون الجلد ودرجة الحرارة والنبض والضغط وما إلى ذلك. في النهاية قلت له عفوا لابد من فحص الشرج وتبيُّن وضع المستقيم والبروستات. ما زلت أذكر أصابعي وهي تتلمس غدة البروستات عنده. كانت حجرا من الصلابة. عرفت أنني أمام حالة سرطان منتشر. هنا انتشر السرطان إلى فقرات العمود الفقري الظهري المجاور، فالأقربون أولى بالمعروف، عفوا. السرطان في العادة يبدأ فيضرب أقرب المحطات، ثم ينتشر عبر الدم والأوعية اللمفاوية؛ فيضرب العقد القريبة، ثم ينساح في الأنسجة كيفما اتفق؛ الرئة والكبد والدماغ وهكذا. المشكلة في السرطان أنه مثل نظام البعث الأسدي ينتشر خفية دون ألم فإذا تفطن له المريض يكون الوضع متأخرا يتطلب عملية جراحية نازفة جدا كما في سوريا وقد لا ينفع فيموت المريض.