يحتفل الشعب السعودي هذه الأيام بكافة شرائحه وفي كل مناطقه بالذكرى الثامنة لاعتلاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سدة الحكم. وإذ لا أحد يستطيع أن يتجاهل الحب الكبير والحميمية العالية التي يظهرها الشعب السعودي تجاه الملك، فإن هذا يجعلني أتساءل ما الذي جعل للملك عبدالله حفظه الله كل هذا الحب الشعبي والقبول الجماهيري؟ أعتقد أن الملك عبدالله استطاع أن يفوز بحب جارف من قبل شعبه لسماحته وبساطته. فلقد تعرف الشعب على الملك من خلال تلمسه لحاجات الناس، وشاهد الجميع على التلفاز ومنذ فترات طويلة كيف كان يستقبل عموم الناس، وكيف كان يحترم كبيرهم ويحنو على صغيرهم، وكيف كان يتقصى أحوالهم ويسعى لحل مشكلاتهم المتنوعة. لهذا قد يرى الشعب السعودي في شخصية الملك عبدالله، تجسيداً حقيقياً لمكنون الشخصية العربية التقليدية. التي من صفاتها مثلاً: التدين وإظهار المخافة من الله، والبساطة في التخاطب، والسماحة في التعامل. وهذه الصفات هي صفات مهمة جداً لكسب القبول والمناصرة الجماهيرية. والأهم من هذا كله أنها طبيعية دون تصنع أو تكلف، مما يجعل الناس تحس بأنها خارجة من قلب صادق لتدخل قلوبهم بسهولة. من المعلوم أن الأنظمة الملكية هي أنظمة أبوية في أساسها. وكما أن الأبوة تتمثل في أبهى صورها عندما يضحي الأب من أجل أبنائه، فإن القيادة الملكية تتجلى في أفضل مظاهرها عندما تقدم الرعاية الحانية والعناية الكبيرة لمتطلبات المواطنين في جميع المجالات الحياتية. وفي هذا الجانب، أرى أن الملك عبدالله استطاع أن يترجم أبرز مميزات النظام الملكي في تواصله الراقي مع أفراد شعبه. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن هذه الطبيعة المتينة في العلاقة بين القيادة في عهد الملك عبدالله والشعب، كان لها دور كبير في حفظ الأمن الداخلي للمملكة من الارتدادات العكسية للتقلبات الإقليمية والدولية خلال السنوات الماضية. خلال السنوات الثماني لحكم الملك عبدالله تحقق كثير من الإنجازات التنموية. وأفرد إعلامنا السعودي من خلال الصحف والتلفاز وباقي وسائل الإعلام الأخرى خلال هذا الأسبوع تقارير وافية عن تلك الإنجازات. وليس المجال هنا أن أكرر استعراضها، لكن ما يجب التنويه به هنا أن تلك الإنجازات هي إنجازات ضخمة وقفزات كبيرة. فعلى المستوى الاقتصادي كان لإنشاء المدن الصناعية الجديدة وربط بعض مدن المملكة بشبكة قطارات، ومشروع مدينة الملك عبدالله المالية علامات مؤثرة في تاريخ المملكة الاقتصادي والصناعي. وعلى مستوى صناعة الإنسان، كان للتوسع في إنشاء الجامعات الحكومية حتى 34 جامعة وكلية في مختلف أنحاء المملكة، وإيفاد أكثر من 150 ألف طالب وطالبة للدراسة في الخارج انعطافة مهمة في تاريخ الشعب السعودي سوف تلقي ثمارها في المستقبل غير البعيد، وعلى أبعاد مختلفة، وبالذات دورها في تكوين وعي ثقافي وفكري مختلف سيسهم في تحديد كثير من القرارات التي تهم مجتمعنا. وعلى المستوى الاجتماعي، لا تزال هناك محاولات جادة في إيجاد حلول جذرية لمسألة البطالة الكبيرة. ورفع مستوى الدخل للأفراد وبالذات الطبقات الفقيرة. وكان لإنشاء وزارة الإسكان وإيكالها مهمة إيجاد حل لمشكلة توفير مساكن للمواطنين إسهامة مهمة أيضاً. أما على المستوى السياسي الخارجي، فباختصار داومت المملكة في عهد الملك عبدالله على دعم القضايا العربية والإسلامية. ولكن كان هناك تكثيف أكثر في نشر ثقافة السلام والتسامح بين كافة الأديان ومحاربة الإرهاب والتطرف. ولقد تبنى ودعم الملك مشروع إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب وإطلاق مشروع للحوار بين الحضارات والأديان. وهذا كان له دور كبير في تحسين صورة المملكة بعد تورط بعض السعوديين في عمليات إرهابية كأحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولا ينسى بطبيعة الحال، أمر خادم الحرمين الشريفين في تحقيق التوسعة الهائلة والتطوير الكبير في مكةالمكرمة والمدينة المنورة لخدمة حجاج بيت الله وزوار مسجد نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام. ويظل القرار الأبرز في نظري في عهد الملك عبدالله هو إنشاء هيئة لمكافحة الفساد الإداري والمالي. فمن يقرأ استراتيجيات التنمية السعودية خلال العقود الماضية يجد أنها كانت واعدة لكن لم تكن طريقة سير تطبيقها وتنفيذها متناسبة مع تطلعات القيادة أو حاجات المواطنين. وهذا يؤشر على أمر مهم أنه بالفعل كان هناك فساد مالي وإداري مستشرٍ، وهذا ما حتم في النهاية إنشاء هيئة لمكافحته. لقد كان وما زال الفساد بشقيه الإداري والمالي، هو العقبة الكؤود في مسيرة التنمية السعودية. ونأمل من خلال كل ما تحقق إبان السنوات الثماني أن تكون بوادر خير تحقق تطلعات الملك -حفظه الله- تجاه شعبه المحب له. لهذا فأنا أتصور أن نية الإصلاح مادامت موجودة لدى القيادة الحالية الرشيدة إن شاء الله، فإن التوجه الإصلاحي في الطريق الصحيح. وهنا أدعو كافة الأجهزة الحكومية إلى أن يكونوا على مستوى تطلعات قيادتهم. قد يكفيك يا خادم الحرمين مما تزوقه أيدي الكتاب أمثالي، الدعوات الصادقة لعجائز المملكة لك بطول العمر والتوفيق والسداد. فلعل نصر الله وتأييده الدائم لك إن شاء الله كان بضعفاء هذه البلاد قبل أقويائهم، ومساكينهم قبل أعزائهم، وفقرائهم قبل أغنيائهم، لما يحملونه لك من محبة وثقة. وكل عام وأنت يا خادم الحرمين بخير وعافية، وأسأل الله أن يوفقك لما فيه خير الإسلام والمسلمين.