عبدالله علي المسيان لاشك أنّ حب الوطن، والانتماء الوجداني له، ليس مجرد شعار يختزل في وقت محدد، أو يوم معين من السنة، وليس مجرد لباس، يلبس تارة ويخلع تارةً أخرى، بل هو مفهوم أكبر وأعم، وأشمل من ذلك، لأنه شعور وجداني صادق، يبدأ من الولادة، وحتى الممات، يترجم ويظهر على شكل تصرفات وسلوكيات إيجابية تصب في خانة حب الوطن. ومن أبرز التصرفات والسلوكيات والأفعال التي تبين صدق أو كذب ادعاء من يدعي حب الوطن، والانتماء الوجداني له، هو مدى التزام المواطنين من عدمه بالحفاظ على المرافق والممتلكات العامة. فإذا أردت معرفة حجم الحب والولاء والتقدير الذي يحمله شعب «ما» لبلده، ما عليك سوى تفقد الممتلكات العامة لهذا البلد، والاطلاع على أحوالها، ورؤية أوضاعها عن قرب، فإذا كانت هذه المرافق العامة بحالة ممتازة وسليمة، فهذا دليل حسي ملموس على أنّ هذا الشعب يحب بلده بصدق قولاً وفعلاً. أما إذا كانت المرافق العامة لبلد ما، في حالة سيئة ومزرية، وتعاني من الإهمال، فهذا مؤشر حقيقي على أنّ هذا الشعب لايحمل أي محبة صادقة لبلده، بل هو يستخدم النفاق الوطني فقط! لأنّ محبة الوطن، والمحافظة على الممتلكات العامة، صنوان لا يفترقان، ولا يمكن القبول والجمع أصلاً بين محبة الوطن وبين تخريب الممتلكات والمرافق العامة، إطلاقاً! فالمرافق العامة لأي بلد هي الواجهة الأساسية له، وهي المعيار الرئيس في إصدار الحكم على تقدمه وتطوره، وازدهاره، أو تأخره وتخلفه وتراجعه! والمتأمل في حال الممتلكات والمرافق العامة السعودية بشكل عام، يلحظ الحالة المزرية والسيئة التي وصلت إليها، جراء حالات التكسير والتخريب والتشويه والاعتداء والتدمير، التي طالت، وتطال، أغلب المرافق العامة، من قبل فئات معينة من الشعب السعودي، لم تقدِّرعالياً الجهود التي بذلتها الدولة في إقامة هذه الممتلكات والمنشآت العامة، ولم تراع قط الخسائر المادية التي تكبدتها الدولة في سبيل إنشاء هذه المرافق العامة، وتهيئتها للمواطنين تهيئة شاملة، وجعلتها متاحة ومفتوحة لجميع فئات الشعب دون تمييز أو تخصيص لأحد. وهؤلاء المخربون، يستحقون أن يصنفوا من فئة «المجرمين» لأنهم ارتكبوا بالفعل أعمالاً إجرامية بحق دينهم ووطنهم ومجتمعهم! لأنّ كافة هذه المرافق العامة، من وزارات ومراكز ومنشآت خدميّة، وطرق وشوارع وحدائق ومنتزهات ودورات مياه، سواءً في الأحياء أو على الطرق السريعة، وكذلك المطارات والدوائر الحكومية والمدارس والمستشفيات، وغيرها من المرافق والممتلكات، إنما أنشئت في الأساس من أجلنا جميعاً، وللأجيال المقبلة كذلك، ونحن المستفيدون بالدرجة الأولى من هذه الأماكن العامة، ونحن أيضاً من يقوم بالتردد اليومي عليها، وبالتالي فإن المسؤولية العظمى تقع علينا، للحفاظ التام عليها، وإبلاغ السلطات المختصة بأمرها، حتى نحقق على الأقل الحد الأدنى من المواطنة والانتماء. وكم نحن بحاجة ماسة جداً إلى إطلاق حملة وطنية توعوية، على مستوى المملكة، تتبناها جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية والجمعيات الوطنية، بهدف القضاء التام على هذه الظاهرة السيئة والخطيرة، والمرشحة أيضاً للاستمرار والاتساع أكثر، لأنّ السكوت والتجاهل، ربما يجرنا إلى نتائج أخرى أشد خطورةً وأكبر ضرراً وأعمق أثراً. ومن الحلول والخيارات المطروحة، للقضاء أو الحد من هذه الظاهرة على أقل تقدير قيام البيت، ممثلاً في الأب والأم، بتوجيه أبنائهم وإرشادهم ونصحهم بالامتناع التام عن تخريب المرافق والممتلكات العامة وضرورة المحافظة عليها وعدم المساس بها بأي شكلٍ من الأشكال ومعاقبة الابن في حالة ثبوت ارتكابه لسلوك سلبي عدواني صغير أو كبير بحق أي مرفق أو مكان عام.كذلك يجب على مؤسسات المجتمع المدني من المساجد والمدارس والجامعات والكليات والمعاهد الفنية والمهنية ووسائل الإعلام من القنوات التلفزيونية الحكومية والجرائد والصحف والأنترنت والأندية الرياضية وكافة الوزارات والمؤسسات الحكومية أن تقوم بدورها الديني والاجتماعي والأخلاقي والوطني في توعية المواطنين وتوجيههم وتبصيرهم وتنويرهم بخطورة القيام بهذا العمل الذي يتنافى مع التعاليم الإسلامية والقيم الوطنية والإنسانية والأخلاقية والحضارية وضرورة التوقف الفوري عن جميع أشكال التخريب والاعتداء والتطاول والتجاوز والتشويه بحق المرافق العامة. كما يجب أيضاً فرض عقوبات مالية مرتفعة بحق أي شخص يثبت قيامه أو تورطه بأي نوع من أنواع الاعتداء التدميري على أي مرفق أو ممتلك أو مكان عام بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أي شبر من أراضي المملكة، ومضاعفة العقوبة المالية في حال تكرار الاعتداء، وفي حال تكرر الفعل والسلوك للمرة الثالثة، تكون العقوبة السجن ثلاثة أيام كأقل تقدير حتى يرتدع وتزجر البقية الباقية من المخربين. والحل الرابع ينبع من الأفراد أنفسهم، بضرورة الحفاظ التام على مكتسبات الوطن، لأنّ حب الوطن والتعلق والتمسك والتغني به، يمنعهم من القيام بأي عمل عدائي أوتخريبي، ويجعلهم حراساً وأمناء مخلصين لأوطانهم ومدافعين عنها بالغالي والنفيس، حقاً، بدلاً من التغني والتمجيد والتطبيل والمدح الكاذب دون تطبيق عملي على أرض الواقع!