إنقاذ مواطن من الغرق أثناء ممارسة السباحة في ينبع    فرع وزارة البيئة بحائل يستعرض فرص التعاون في التوعية وحماية الموارد    أمير جازان يستقبل رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد    نائب وزير الخارجية يلتقي المستشار الدبلوماسي لرئيسة مجلس الوزراء الإيطالي    أمير جازان يستقبل وكلاء الأمارة الجدد و يوجه بالعمل لخدمة المنطقة والمواطن    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في المنطقة الشرقية    "الحزام الناري" يستهدف 40 طبيبا باطنيا ب"مركزي القطيف"    مُحافظ الطائف يشهد اتفاقية شراكة لإنشاء مركز زراعة كلى بتخصصي الطائف    الدولار يتعافى والأسهم الأوروبية تتجاوز سلسلة خسائر استمرت أربع أيام    مفردات من قلب الجنوب ٤    انتخاب المملكة لرئاسة جمعياتٍ ولجانٍ في المنظمة العالمية للملكية الفكرية    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤنة" للتوعية بتيسير الزواج    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية تنظم برنامج "إعادة التدوير من الفكرة إلى الاستدامة"    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات النسخة الثامنة من برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    تأسيس جمعية المستقبل الصناعي غير الربحية    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    النفط يرتفع مع تحسن المعنويات بفضل توقعات الطلب والبيانات الاقتصادية    استشهاد 16 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    "طمية" تنظم إلى الأسطول الإسعافي بفرع الهلال الأحمر بعسير    الرئيس السوري: تفوق إسرائيل العسكري لا يضمن لها النجاح السياسي أو الأمني    مقتل امرأة وإصابة 3 في روسيا    457 مليونا مستحقات مزارعي القمح    98.7% نموا بتأمين الحماية والادخار    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الأمير سعود بن نهار يلتقي المدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الغربي    فعاليات نوعية تُثري تجربة الزوّار في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    "الأونروا": سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعف في قطاع غزة    "الداخلية" و "الموارد البشرية" يوقّعان مذكرة تفاهم    حفل يامال المثير للجدل يغضب برشلونة    السويسري"تشاكا" بين نيوم وسندرلاند    مصر ترفض مخطط «خيام غزة»    «شلة ثانوي».. مسلسل جديد في الطريق    بهدف الارتقاء بالمنتج الثقافي والمعرفي.. توقيع مبادرة "سعوديبيديا" لتعزيز المحتوى السعودي    شركة الدرعية توقع عقداً بقيمة "5.75" مليارات ريال لمشروع أرينا الدرعية    أصابع الاتهام تشير للفصائل المسلحة.. تحقيق عراقي في ضرب حقول النفط    تفكيك خلية خطيرة تابعة للمليشيا.. إحباط محاولة حوثية لاغتيال المبعوث الأممي    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    إطلاق مبادرة لتعزيز التجربة الدينية لزائرات المسجد النبوي    تسحب اليوم بمقر الاتحاد القاري في كوالالمبور.. الأخضر يترقب قرعة ملحق تصفيات مونديال 2026    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    "الأحوال": جدد هويتك قبل انتهائها لتفادي الغرامة    طبيب يقتل 15 مريضاً ويحرق منازلهم    المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر يُطلق مبادرة تقليم أشجار العرعر في منطقة عسير    رونالدو يخطف جائزة لاعب الموسم..وجماهير الاتحاد تنتزع"تيفو العام"    الخليج يضم الحارس الدولي"أنتوني"حتى 2027    القادسية يوقّع رسمياً مع المهاجم الغاني"كريستوفر بونسو" حتى 2029    أمير جازان: جهود مقدرة لهيئة التراث في تمكين الشباب    وزير الخارجية ومدير الطاقة الذرية يبحثان تعزيز العمل الدولي    مقتل شخص وإصابة 18 جراء غارات إسرائيلية على دمشق    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    كريم عبد العزيز أول بطل ل 4 أفلام بنادي ال «100 مليون»    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الخمسين يوماً
نشر في الشرق يوم 12 - 04 - 2014

يمدنا تاريخنا الإسلامي، وخصوصاً تاريخ السيرة النبوية بقصص ومواقف لها مدلولاتها وتأثيرها الكبير على نفوسنا، من حيث التعامل بالصدق والإخلاص في القول والعمل والجود والكرم والشجاعة، وغيرها من الخصال الحميدة التي يحثنا ديننا الإسلامي على التعامل والتمسك بها، والشواهد التاريخية كثيرة على تلك المعاني.
هناك قصص تحمل في طياتها العبرة والفائدة من خلال قراءتها؛ حيث تزيد النفس تمسكاً بما هو جميل ومفيد، وبعض القصص وردت في القرآن الكريم، وقد يمر عليها كثيرون بسرعة دون التفكر والتبصر في معاني تلك القصص والحديث عنها لأولادهم ليستفيدوا منها أيضاً. ذات مرة تحدثت مع أحد خطباء الجوامع وهو صديق لي، فقلت له: لماذا لا تحاول تتبع القصص التي وردت في القرآن الكريم وتنقلها بطريقتك القصصية إلى مسامع المصلين في خطبة الجمعة، وتُبين فيها العبر والفوائد التي يمكن أن نستفيد منها نحن وجيل الفتيان والنشء الصغار؟ من تلك القصص التي حدثنا عنها كتاب الله، وفيها كثير من الدروس والعبر قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك من دون عذر لهم، وجلسوا مع الخوالف في المدينة، ولم يرافقوا جيش الرسول -عليه أفضل الصلاة والتسليم- على الرغم من النداءات الكثيرة بالتجهز لهذه الغزوة والخروج لملاقاة الروم قرب أراضيهم؛ حيث كانت هذه الغزوة من أشد الغزوات التي مرت على الرسول بسبب عسرة المسلمين في تلك السنة، وكانت أيضاً امتحاناً كبيراً لهم من الله للتعبير عن مدى حبهم لله ولدينهم ولرسولهم. وقعت غزوة تبوك في السنة التاسعة، وقد كان الجو (قيظاً)، أي: شديد الحرارة؛ لأن الرسول -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- كان يختار وقت غزواته عادة في فصل الربيع إلا هذه الغزوة فقد كانت في فصل الصيف، وسمّيت هذه الغزوة (بغزوة العسرة)؛ لشدة الظروف التي حدثت فيها وصعوبتها، وقد ذكر الله تعالى هذه الغزوة في كتابه العزيز فقال: «لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة» سورة التوبة آية 117 وقد تخلف عن هذه الغزوة ما يقارب الثمانين رجلاً منهم الصادقون في أعذارهم، ومنهم من تخلف بأعذار واهية وغير صحيحة، ومن هؤلاء الذين تخلفوا ثلاثة من صحابة رسول الله وهم: «كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أبي أمية» وكلٌّ تخلف وحده.
ويذكر كعب بن مالك -رضي الله عنه-: أنه عندما بدأ المسلمون يتجهزون للغزوة ويلبون نداء رسولهم لم أتجهز، وقلت في نفسي: سألحق بهم حتى إذا خرجوا ظننت أني مدركهم، وليتني فعلت! فلما انفرط الأمر، أصبحت وحدي في المدينة لا أرى إلا رجلاً مغموصاً (معروفاً) بالنفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، ولما بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد راجعاً من تبوك حضرني الفزع، فجعلت أتذكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخط رسول الله؟ فلما دنا رسول الله من المدينة زال عني الباطل، وعلمت أني لم أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، فلما وصل الرسول -عليه أفضل الصلاة والتسليم- إلى المدينة بدأ بالمسجد فصلى ركعتين وجلس للناس، فجاء المخلفون وجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون، فيقبل منهم ظواهرهم ويستغفر لهم، فجئت فسلمت عليه، فتبسم تبسم المغضب، فقال لي: ما خلّفك؟ قلت: يا رسول الله، والله لو جلستُ إلى غيرك من أهل الدنيا لخرجت من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً، والله ما كان لي عذر حين تخلفت عنك، فقال عليه الصلاة والسلام: «أما هذا، فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» ويقول كعب -رضي الله عنه-: ولما خرجت من عند رسول الله لامني بعض أهلي؛ لأنني لم أعتذر، فسألت: هل قال أحد بمثل ما قلت؟ فذكروا لي رجلين صالحين شهدا بدراً؛ وهما: مرارة بن الربيع، وهلال بن أبي أمية، وكان لي فيهما أسوة.
وكان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قد نهى أهل المدينة عن محادثة هؤلاء الثلاثة الذين تخلفوا عنه، فاجتنبهم الناس ولم يخالطوهم أو يتحدثوا إليهم امتثالاً لأمر رسول الله.
ويقول كعب -رضي الله عنه-: صاحبايّ استكانا وقعدا في بيتهما، أما أنا فأصلي مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد حتى أقاربي.
ويذكر أنه بينما هو في السوق إذا بفلاح من أنباط أهل الشام قادماً ومعه طعام يريد بيعه في المدينة، ويقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ فأشار الناس إليّ، حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان وفيه: قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت: وهذا أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور، أي: «أحرقها» وبعد مضي أربعين يوماً وهم في هذا البلاء والشدة أرسل إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمراً بأن يعتزل كل واحد منهم أهله.
وبقول كعب بن مالك -رضي الله عنه- مكملاً روايته عن هذه المحنة التي أصابته: وعندما مضت عشر ليالٍ مع الأربعين وأتممنا خمسين ليلة، وبينما أنا جالس على تلك الحال التي ذكر الله منا، سمعت صوتاً صارخاً يقول بأعلى صوته «يا كعب بن مالك أبشر، فخررت ساجداً، وعرفت أنه قد جاء الفرج»، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما سلّمت عليه، قال: وهو يبرق وجهه من السرور «أبشر بخيرِ يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك».
وقد نزل العفو عن الثلاثة من السماء، وظلوا خمسين يوماً في محنة عصيبة وأراد الله اختبارهما بانعزال الناس عنهم واعتزال أهلهم، وهذا من البلاء والشدة على الإنسان إلا أنهم استطاعوا أن يصمدوا حتى جاء الفرج والعفو لهم من السماء بقول الله تعالى «لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم، إنه بهم رءوف رحيم، وعلى الثلاثة الذين خُلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم». التوبة 116 118.
ويقول كعب -رضي الله عنه- «فما أنعم الله عليّ بنعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ، والله ما أعلم أحداً ابتلاه بصدق الحديث بمثل ما ابتلاني».
وختاماً: إن القرآن العظيم مدرسة القيم والفضائل وشمائل الخير والأخلاق، فمثل هذه القصص القرآنية التي لا تشوبها شائبة يجب علينا أن نتدارسها فيما بيننا، وننقلها إلى أبنائنا؛ ليأخذوا منها الدروس والعبر التي يستفيدون منها في حياتهم، وأن نرسخها في نفوسهم؛ ليتعودوا على الأفعال الجميلة والابتعاد عن الأشياء القبيحة التي قد تنعكس عليهم سلباً في حياتهم وتعاملاتهم. إن تتبع القصص التي ورد ذكرها في القرآن الكريم أو حدثت في عهد الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام- يقدم لنا دروساً وعبراً تعيننا على ترسيخ القيم الحسنة في نفوس أبنائنا، وجعلها سلوكاً حياتياً نعيشه نحن وأبناؤنا كل يوم، وبهذا تستقيم لنا الحياة ونعيش في أمن واطمئنان. وهذا يربط بين أجيالنا والقرآن الكريم، ويرسخ لمدرسة التنشئة الإسلامية الفاضلة، فحري بأئمة المساجد وأعلام التربية وقادة الفكر تبني منهج تربوي وفكري يقوم على استخلاص العظات والعبر والحكمة من قصص القرآن وتحويلها إلى وسائل ومناهج تربية عملية للمجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.