اليوم تبدأ المفاوضات الفعلية في جنيف بين وفد المعارضة السورية، وممثلي الأسد ولأول مرة في التاريخ يجد هذا النظام نفسه أمام حقيقة أن الاستمرار بات بعيد المنال، كما يفكر رموزه وقادته بأن حلفاءه قادرون على حمايته للأبد، وأدرك النظام الآن أنه بات في خطر، وأن عليه تنفيذ استحقاقات طال الزمن أو قصر، وأنه أصبح أمام ثلاثة خيارات: إما أن يقبل بمقررات جنيف ويرحل الأسد ورموز نظامه، ويعمل مَنْ يتبقى من هذا النظام مع المعارضة على تطبيقها لتأمين انتقال سياسي للسلطة يضمن نهاية سلمية للصراع. وإما أن يرفض هذه الفرصة، التي اعتبرها الأمين العام للأمم المتحدة أنها تاريخية، وبالتالي استمرار الحرب ربما لسنوات طويلة، مع كل ما قد يترتب على ذلك على المستوى السوري والإقليمي والدولي. والخيار الثالث هو القبول بالدخول في المفاوضات دون القبول بالمبادئ، وهذا ما يمارسه النظام الآن، وهذا ما كان واضحاً من تصريحات رئيسه وخطاب وزير خارجيته أمام مؤتمر جنيف. واضح أن النظام لن يقبل فكرة رحيل الأسد وأنه مصر على الترشح والاستمرار في السلطة، وأن خيار جنيف وإرسال وفد للمشاركة ليس الهدف منه القبول بمقررات جنيف في نقل السلطة أو حتى المشاركة فيها مع قوى المعارضة، وإنما موافقته جاءت لكسب مزيد من الوقت لحسم الصراع عسكرياً، خاصة بعد أن استنفد جميع الفرص التي حصل عليها من حليفه الروسي، الذي شكّل له الغطاء السياسي والدبلوماسي في مجلس الأمن طيلة هذه السنوات. اليوم النظام سيحاول كسب مزيد من الوقت عبر مفاوضات لا تنتهي، ودون أن يرفض مقررات جنيف أو يقبل بها، ويعمل مع حليفه الروسي على حرفها عن بيان جنيف – 1، خاصة في إصراره في الحديث عن محاربة الإرهاب والقاعدة، مدخلاً عناصر جديدة على الصراع في صفّه ك «داعش» لإنهاك قوى الثورة والشعب، الذي بات على حافة الانهيار من الحصار والجوع والتشرد. النظام سيسعى من خلال هذه المفاوضات إلى الابتعاد عن الدخول في القضايا الجوهرية، وسيعمد إلى دفع المفاوضات في اتجاه القضايا الإنسانية التي يسعى إلى مقايضتها بمواقف سياسية، وهذا المدخل قد يلاقي ترحيباً من القوى العالمية التي لا ترغب في رحيل النظام أو حتى رحيله سريعاً. أدرك معظم قادة العالم عبر خطاب وزير خارجية الأسد أن النظام في وادٍ والمجتمع الدولي في وادٍ آخر، فهل سيتنبهون إلى أي مدى يمكن أن يراوغ هذا النظام وأنه لن يقبل بأي حل سياسي، وأنه لا يمكن أن يزاح إلا بالقوة؟