في ردهة ذلك المستشفى التعليمي الكبير وفي ساحة المطاعم الموجودة عند البوابة الرئيسية وقفت سيدة في منتصف العمر وقد ارتدت وشاحاً كتب عليه "أنا هنا" لاحظت السيدة النظرة التائهة في عيني وسألتني إن كنت أحتاج لمساعدة وهي تشير للطرف الخلفي من الوشاح والذي كتب عليه "للمساعدة"! لتقرأ الجملة "أنا هنا للمساعدة"! أرشدتني السيدة لأقصر طريق كي أصل للقسم الذي سيحتضنني كطالبة لعدة سنوات قادمة وهي تحدثني عن تجربتها في أول زيارة للمستشفى حيث ذهبت للمختبر الخاطئ كي تجري فحوصاتها، واضطرت لأن تقضي نصف ساعة باحثة عن المكان الذي يفترض أن تذهب له وهي تردد:" شعرت وقتها بأن ردهات المستشفى مثل المتاهة" ثم التفتت لمسن وحيد كان يبحث عن مبنى الأشعة لتجلسه على كرسي متحرك وتنطلق به إلى وجهته. هذه السيدة كانت تترأس مجموعة من المتطوعين والمتطوعات من أعمار مختلفة منهم المتقاعدون ومنهم الطلبة ومنهم عاطلون عن العمل ومنهم موظفون يقومون بالتواجد في ردهات هذا المستشفى الكبير لمساعدة المرضى والزاور والطلبة. كنت أشاهدهم يقومون بعملهم بابتسامة راضية تتجاوز مساعدتهم الإنسانية الإرشاد للقسم المطلوب أو العيادة إلى الوقوف في طابور الانتظار في الصيدلية حتى يتم صرف الدواء لمريض أنهكه التعب أو مسن أتى بلا مرافق. لديهم أيضا تواصل مع بعض سائقي الأجرة لمساعدة بعض المرضى للعودة لمنازلهم بسعر مخفض أو بدون مقابل في حالة حاجة المريض لذلك. لفتت نظري هذه المجموعة التطوعية لتنوع أفرادها، ولتنوع نشاطاتها والتي نعتبرها بسيطة، لكن ليس من السهل أن تعطي من وقتك لمساعدة إنسان لا تعرفه. لفت نظري أيضا وجود أحفادها معها في ساعات فراغهم في نفس المكان ليقوموا بنفس المهام أصغرهم كان في المرحلة الابتدائية يقف بجانبها تحت إشرافها ليتعلم منها "بالمحاكاة والمشاهدة" وبدون أن تعطيه أوامر بلهجة متذمرة بأن يقوم ويفعل شيئاً مفيداً بدلا من التلهي بالألعاب الإلكرتونية في صالة المنزل. فتحت هذه السيدة عيني على أوجه كثيرة للتطوع الاجتماعي تتجاوز الفكرة النمطية الراسخة في ذهني والتي تتلخص في التبرع المادي إلى النظر بتأمل للآخر ومساعدته، إلى معرفة أوجه النقص في مكان ما وتوفيرها عن طريق تقديم الخدمة مهما كانت الخدمة في نظرك بسيطة. لم تنتظر هذه السيدة وفرقتها التطوعية إدارة المستشفى كي توفر هذه الخدمة، ولم تكتف بالتذمر بعدم توفر هذه الخدمة في المستشفى، بل اتخذت خطوة إيجابية وتقدمت لهم بفكرتها ولاقت التجاوب وقامت بتنفيذها ونجحت في تنفيذها. فنحن نتحدث عن مستشفى كبير يستقبل حالات مختلفة يأتيه مرضى من أماكن بعيدة يحتاجون مرافقة ومساعدة معنوية. كي تنفذ هذه الأفكار التطوعية فقط كل ما تحتاجه هو إحساس عال ونظرة لا محدودة وغير نمطية لمفهوم العطاء. هذا النموذج أتمنى أن أراه في كل مكان.