عندما تعمى الطفولة ، فإن هناك شيئاً أكبر من مجرد خطأ طبي، عندما يسلب نور أعين الصغار فإن الضمير غط غطة لن يصحو منها.. قبل ربما أكثر من عام دخل أطفال لقسم حضانة في مستشفى بتبوك، أربعة أطفال، خرج ثلاثة منهم بعمى كامل وواحد بضعف قوي بالنظر، هذا ما نشرته جريدة الوطن يوم الإثنين 27رجب .. منذ شعبان الماضي أقام والد توأمتين / أسيل ورسيل / أصيبتا بالعمى دعوة على المستشفى، حسبما ورد في الصحيفة، تم منع عشرين من الكادر الطبي العامل في المستشفى من السفر، لكن الخبر استدرك أن طبيبا سمح له بالسفر بعدما قدم كفيلاً حضورياً، ووكل محامياً للدفاع عنه.. الأمر قد لا يبدو مقبولاً، حتى اللحظة ومنه تتقاذفنا الأسئلة، عشرون عاملا من بينهم أطباء وكادر تمريض وكادر مساعد طبي ومختبر وما إليه، هل منعوا من العمل؟ هل تمت إجراءات فحص أطفال أُخر خاصة من هم دون السنة بخصوص نظرهم؟ وهل نقلوا مثلا لمستشفى الملك خالد التخصصي بالرياض لإعادة الفحص وإمكانية المعالجة ؟ إذا كان الكادر باقياً في عمله ويزاوله، كيف يتم التأكد أن لا يلحق أطفال أُخر بالسابقين ؟ إذا كانت الطفولة وديعة من الله عز وجل لدينا، أليس المفروض صون هذه الوديعة، وكيف تم في المستشفى العبث بهذه الوديعة الربانية ؟ أليس المستشفى مكانا للعلاج، فكيف ينقلب لمكان لعاهة مستديمة ؟. ولعل أهم سؤال كيف حدث ذلك، ما سببه، دواء قديم، مستشفى غير نظيف بأدوات غير معقمة ! إهمال من الكادر ككل، وكيف يتم الإهمال من عشرين موظفا مع بعض .. ؟ هؤلاء الممنوعون من السفر وخلال العام المنصرم، كيف تم التعامل معهم ؟ وهل تصرف لهم رواتب بانتظار المحاكمة ؟ وسؤال أيضا كيف تأخرت المحاكمة لعام كامل، وخلال هذا العام يحدث الكثير من التغير وربما حتى النسيان.. ؟ بينما العاهة تستمر.. شيء مخيف جدا أن لا نثق بالأطباء وبيدهم صحتنا وعافيتنا، والأهم منا صحة وعافية الجيل الجديد.. وأي ألم يصيب العائلة وأطفالها الجميلين يعودون عمياً. إنه فعلا شيء مرعب ألاّ نجد الثقة في الطبيب المعالج، وأن يتحرك أمام أعيننا سيل من الشهادات الوهمية والمزورة، وأن نجد سباكا عرف بعض عموميات عن الطب، وزور شهادة وقدم لبلادنا .. عندما يعمى الأطفال قديما فكان ذلك بسبب الجدري مثلا أو الحصبة أحيانا أو سوء معالجة، لأن الحكيم لم يكن أكثر من حلاق.. أما أن يعمى أطفال بمستشفى حكومي أو أهلي في هذا الزمن وهذه الإمكانيات فهو شيء لا يمكن ان يمر كخبر عادي جدا ، رغم أن الحدث مضى عليه قرابة العام .. يؤلمني أن التوأمتين أسيل ورسيل لن تريا صورتهما التي وضعتها(الوطن )، ترتدي كل واحدة فستانا مشابها للأخرى - كعادة أمهات التوائم - فستان جميل بزهور وردية وشريط أنيق بلون الزهر أيضا بشعر كل واحدة .. لن تعرفا لون السماء ، ولن ترسما على سطحها من الغيوم جداول وبحارا وخرافا، وأميرات تجرهن خيول بيضاء.. ولن تريا القمر، ستشعران بحر الشمس لكن لن تريا جمال المغيب .. تذكرت طه حسين وهو يصف لحظات عماه في كتابه الأيام وكيف أن المعالج كان يضع له القرمز في عينيه، لذا بقي اللون الأحمر وهو اللون الوحيد الذي يتذكره .. رحمه الله، لم تعقه عاهته، ونتمنى حقا لو أن هؤلاء الأطفال يصبحون كأستاذنا طه حسين .. رغم ان زمن طه حسين زمن آخر غير زمننا هذا .. أرى أن مساندة عوائل الأطفال واجبة علينا وعلى المنظمات التي تعنى بالطفولة، وخاصة برامج حماية الطفولة.. فجزء من عملها أيضا حماية صحة الأطفال ..