إن مصرع ستة عشر من القوات الخاصة الأمريكية فضلا عن مقتل اثنين على الأقل من فريق الاستكشاف العسكري الذين كانوا يحاولون إنقاذهم الأسبوع الماضي يعد اكبر خسارة للقوات الأمريكية في أفغانستان منذ بدء التدخل الأمريكي في هذا البلد في عام 2001. كما إن ذلك بمثابة تذكير قوي لكل من لا يهتم بالتطورات الصغيرة في ارض المعركتين التي تخوضها الولاياتالمتحدة، فكما هو الحال في العراق فان أعمال العنف من قبل عناصر التمرد المحلية والمقاتلين الأجانب شهدت تصاعدا في أفغانستان خلال موسمي الربيع والصيف مع زيادة الإصابات بين الأمريكيين ومرة أخرى فان تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين المتسمة بالثقة قد برهنت على انها سابقة لأوانها. ففي أبريل وصف قائد عسكري أمريكي كبير سابق في أفغانستان وهو اللفتنانت جنرال ديفيد بارنو المتمردين بأنهم فئة قليلة من فلول طالبان وتوقع بان تنهار معظم هذه العناصر المتمردة أو تنضم إلى المسيرة السياسية الأفغانية خلال عام وبدلا من ذلك فقد شنت طالبان هجمات منتظمة بما فيها اعتداءات يومية كان بعضها بفعل وحدات مسلحة جيدا ويبلغ أعدادها بالعشرات، واعترف مسؤولون أفغان بأنهم فوجئوا بحجم تلك الهجمات ففي الأشهر الثلاثة الماضية لقي اكثر من خمسة واربعين جنديا أمريكيا بالإضافة إلى مئات العسكريين والمدنيين الأفغان مصرعهم . وبدأت عناصر التمرد في أفغانستان في زرع الألغام على قارعة الطرقات تماما كما هو شائع في العراق ولربما يكون هؤلاء المتمردون يتلقون مساعدة من فئات أفغانية أخرى معارضة لحكومة الرئيس حامد قرضاي المدعومة أمريكيا وكذلك من تنظيم القاعدة ومن متطوعين أجانب آخرين. غير أن الجانب المشرق من هذه الصورة المزعجة يكمن في عدم نجاح طالبان حتى الان في الحصول على تأييد شعبي لها ولذلك فانه من غير المرجح أن تحقق هدفها الواضح المتمثل في عرقلة الجولة الثانية من الانتخابات الأفغانية والمخطط لها في سبتمبر. وبالرغم من هذه الاعتداءات فان عملية التسجيل للانتخابات تسير على ما يرام وان نحو ستة ألف مرشح يتنافسون على مقاعد في البرلمان الوطني وفي أربعة وثلاثين مجلسا إقليميا، وتحرز القوات الأمريكية مع القوات الأفغانية التي يبلغ عددها اكثر من عشرين ألف جندي انتصارات على قوات العدو التي تشتبك معها في ميادين القتال فقد تردد قتل هذه القوات لاكثر من 450 من المتمردين المسلحين منذ مارس غير انه ومع اشتداد المعارك فقد تواترت أنباء أيضا عن مصرع مدنيين، فقد انتقدت الحكومة الأفغانية بالأمس القريب القوات الأمريكية لقصفها موقعا الأسبوع المنصرم ربما يكون قد تسبب في مقتل مئات المدنيين وقد اعترف البنتاغون فعلا بمصرع مدنيين وعناصر معادية فيما وصفه بهجوم على قاعدة إرهابية ووعد بإجراء تحقيق في مصرع المدنيين. وخلاصة القول بان الخطر يتصاعد وان أفغانستان ربما تصبح عراقا آخر بتجذر أعمال المقاومة واعاقة جهود إعادة الأعمار فضلا عن أن تصبح مقصدا للمقاتلين المتطرفين. ومن اجل منع حدوث هذا السيناريو فان إدارة الرئيس جورج بوش تحتاج إلى ممارسة المزيد من الضغوط على باكستان الحليف لواشنطن والتي يعتقد بان عناصر طالبان تستفيد من أراضيها كما أن هنالك فئات في باكستان ترغب بدون شك في رؤية تعثر الانتخابات الأفغانية المرتقبة. ويجب على الإدارة الأمريكية أيضا مواصلة الضغط على حلفاء الناتو لزيادة عدد قواتها في أفغانستان والتي تبلغ حاليا ثمانية ألف جندي فقط بالمقارنة مع عشرين ألف جندي أمريكي تقريبا. وانه إذا ما تم كبح جماح طالبان تماما قبل الانتخابات الأفغانية فان أفغانستان ستحقق خطوة كبيرة تجاه الاستقرار غير أن المثير للقلق حتى الآن ألا يتحقق هذا الأمر.