ارتفاع الباب لا يقل عن ستة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار تقريبا. ذرفتان خشبيتان تلتقيان في الأعلى على شكل قوس. أشبه ببوابة القصور الايطالية. مسحت الباب بنظري. وجود جرس إلكتروني على الحائط لم يزح أكرة ذهبية لها رأس في صورة تمثال تتدلى منه حلقة نصف دائرية. تشبه الطقاقة التي كانت على باب بيتنا في شارع العطايف. من المؤكد أنها كانت تستخدم للقرع. على الباب نقوش في صورة أشجار تتخللها تماثيل غرائبية لملائكة وقديسين وطيور صغيرة لا أصل لها في الواقع, كأنما نسخت من كتب الأساطير الشرقية. تشي ألوان الباب الباهتة أن المبنى ضارب في القدم. لا أملك ما يكفي من تاريخ لمدينة تورنتو حتى أضع تصوراً لعمر هذا المبنى. زاد هذا من اضطرابي. سأدخل مغارة حُفت بالأساطير والأوهام والمؤامرات والتاريخ . سلاحي المعرفي في هذه المغامرة كلمة واحدة تتفجر منها أسئلة لا حدود لها.عبارة أسمعها وأقرأها في كل مكان : الماسونية تريد السيطرة على العالم. تصاغ هذه العبارة في صورة حقيقة لا تقبل النقاش. متى سيتم لهم ذلك؟ تأسست المنظمة منذ ألف سنة. الرجال الذين أسسوها ووضعوا دستورها وأهدافها أصبحوا الآن من أديم الأرض. لماذا يستمر الولاء للأسرار والأهداف البشعة الغامضة أجيال توارثوا عضويتها. سؤالي سيقفز إلى المستقبل. إلى الزمان الذي ستعلن فيه هذه المنظمة إحكام قبضتها على العالم. أتوق أن أحضر أول اجتماع لقيادات الماسونية الذي يعقب النصر العظيم: سيلتفت رئيس المنظمة والفرح يغشاه. الآن يا أخوتي دانت لنا البشرية. أصبحت اقتصاديات الأمم ودياناتهم ومجتمعاتهم ونساؤهم وأطفالهم وحكوماتهم تحت سيطرتنا. ستعم الحاضرين موجة من الفرح أقرب إلى السعار الجنسي. سيقف أصغرهم سناً بعد أن يأخذ إذنا من الرئيس: سيقدم التهنئة وسيتكلم عن جهود الأسلاف وخططهم وإيمانهم بالمبادئ التي أوصلتهم إلى هذا النصر المبين ثم يسأل: ما الذي يتوجب علينا أن نفعله بكل هذا؟ لماذا أخرجنا الناس من دياناتهم والنساء من عفافهن، والتاريخ عن مساره؟! ستنطفئ الفرحة من وجه الرئيس. سيتلفت على الحاضرين. في النهاية هو إنسان سيعتريه الذهول. سعينا ألف سنة لنصل إلى هذه اللحظة وتأتي بسؤالك هذا تقوض المجد. ستنقلب الفرحة إلى وجوم. سيقف المقرر الطامح دائما إلى رئاسة المنظمة. سيغتنم الفرصة الكبيرة ليؤكد من خلالها ولاءه: سيضرب على الطاولة ويقول بصوت ملؤه الطموح: سيدي لا يمكن أن يسأل مثل هذا السؤال ماسونيّ أصيل. سؤال كهذا سيحول مئات السنين من الكفاح إلى مئات السنين من الغباء. لم نسمع مثل هذا حتى من ألد أعداء الماسونية. هذا يا سيدي مدسوس. مشكوك في ماسونيته. ينهض شيخ كبير قاعد على يسار الرئيس بتثاقل ويطلب من المقرر أن يهدئ من روعه. ينصحه بالابتعاد عن نظرية المؤامرة. من سيتآمر علينا؟ نحن المؤامرة يا بني. ضج في ذهني صوت المستقبل. هل سيتقاتلون على الغنائم؟ وراء هذا الباب العريق أسرار. كأني بدأت أسمع جدلهم وصخبهم. تخطفتني الخيالات. استدرت لألتقط صورة أخيرة للعالم الذي سأتركه ورائي. مازالت العجوز المسؤولة عن متابعتي في مكانها. يبدو أنها لم تسلمني بعد. سينتهي دورها عندما يفتح الباب. تركتها وتركت تفاصيل الباب والتفت إلى الجرس. النقطة الأخيرة التي سأبصمها بأصبعي. تعمدت أن أستخدم يدي اليسرى لا اليمنى. تحية تليق بالماسونية. ضغطت الجرس. سمعت صوت الرنين من الداخل. في أقل من ثانية فتح الباب اتوماتيكيا. لا شك أنهم تقافزوا من الفرح. وقع ابن بخيت أخيرا. يوم الأربعاء القادم نكمل تفاصيل الواقعة..