كأنما كان كثير من السعوديين بحاجة إلى يوم أراده أعداء الوطن يوماً للفتنة كي يعيدوا اكتشاف ما يمثله لهم وطنهم. إذ لم يكن كثير منا، للأسف، يعير اهتماما كبيرا لنعمة وحدتنا الوطنية وامننا واستقرارنا، بل كنا نأخذ الأمر كمسلّمة ليس من حاجة لتذكرها، خاصة أن الأغلبية الساحقة منا ولدوا في ظلها دون بذل ما بذله الآباء والأجداد في سبيل تحقيقها. الملفت أن اليوم الذي اختاره المتربصون للفتنة أصبح، بتوفيق الله، يوما لتأريخ التلاحم المتبادل والوفاء. إذ أصبح يوم الجمعة الماضي، وما بعده، من أيام الوطن المشرقة التي جعلت السعوديين يزدادون تعلقا بوطنهم، ويقدرونه حق قدره كمظلة يستظل بها الجميع. فالفتنة التي خطط لها الحاقدون وعاونهم عليها المرجفون والطامعون من الداخل والخارج فجرت، من حيث لا تدري ولا ترغب، المشاعر الوطنية المرتكزة على الثوابت التي تشكل أساس الهوية الوطنية الجامعة للسعوديين. لم ينجح عبث العابثين، ولا أوهام المتوهمين في النيل من التوافق الوطني لدى السعوديين واعتزازهم بجذورهم وعمقهم الروحي. العكس، للمفارقة، هو ما حدث. فدعاة التحريض والتآمر صدموا باعتصام السعوديين بعقيدتهم الراسخة ولوذهم بصخرة وحدتهم الوطنية التي تكسّر حولها سيل التعبئة المتواصلة ضد مقدراتهم ومناعة وطنهم. كان جواب السعوديين الحاسم على طوفان الإرجاف والكذب هو أن البيعة التي أقسم عليها آباؤهم وأجدادهم في أوقات الشدة لن يحنث بها الأبناء اليوم في أوقات الرخاء. في هذه الأيام ونحن ما نزال نحتفل، حامدين المولى، بعودة حبيب القلوب وملك الإصلاح والحوار سالماً معافى يتعين أن نعيد قراءة القصة الملحمية لتوحيد هذه الأرض على أسماع أبنائنا. علينا أن نتأكد من استيعابهم لحجم التحول الذي أنجزه أسلافهم بقيادة الملك المؤسس والبطل التاريخي الذي التف حوله الجميع وشاركوه جهاده. يجب أن يستقر في أذهانهم الغضة أن الوحدة الوطنية التي جاهد السعوديون الأوائل من اجلها، تحت راية التوحيد، لم يكن إنجازها نزهة عابرة ولا صدفة تاريخية. لقد كانت الوحدة حصيلة عرق ودماء وإيثار وتضحيات، وكانت ثمرتها المباركة قرة أعيننا ومهوى أفئدة العالمين: المملكة العربية السعودية. الفتنة التي جنبنا الله إياها يوم الجمعة الماضي تمثل فرصة ثمينة لنا جميعا من أعلى هرم القيادة إلى اصغر مواطن سعودي كي لا ننسى حمد الله كثيرا على فضله علينا ونعمته التي اختصنا بها نحن أبناء هذا الوطن العظيم. وصدق أمير الشعراء حينما قال: وطني لو شُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي