مشكلتنا مع أوروبا، رغم قِدم العلاقة بسيئاتها وحسناتها، أنها لازالت تتعامل مع دول الخليج وكأنها حائط «الآيس كريم» سهل الذوبان في أي مقابلة تتعلق بمختلف العلاقات اقتصادية أو سياسية، والدليل أن الاتفاقية الاقتصادية والتجارية بين طرفيْ العلاقة لا تزال تعوم في بحر التأجيل والرفض المبطن مع أوروبا، رغم كل التسهيلات التي منحتها الدول الخليجية ، والتنازلات التي تحفظ للجميع تأكيد المصالح.. السيدة «ميركل» المستشارة الألمانية، تعد الأقوى والأهم في الزعامات الأوروبية، وهذا التميز جاء من حجم بلدها ودورها في القارة الأوروبية وخارجها، وهي الأهم حتى من بريطانيا وفرنسا، وزيارتها لمنطقة الخليج العربي تأتي في ظل الأزمات المالية التي عصفت في أمريكا، ثم أوروبا، بالمقابل لنا مصالح مع تلك القارة ويصعب تجاوزها لأي سبب كان، وللتأكيد على العلاقات من زوايا التلاقي على قواسم مشتركة تحسم النظرة المتعالية الأوروبية، وألمانيا إذا كانت تمثل العقل في المجموعة فالسعي يجب ألا يقتصر على الناحية المادية، والمطالبة من قبل دول الخليج بدعم اليورو ، وهي التي تدرك أن تشابك المصالح لا يعني التضحية بالدخول لمجرد الوعود بدون تساوي المصالح وفهم طبيعة المطالب.. فالأمور إذا كانت متلازمة فالدور الأوروبي الغائب في قضايا أمن المنطقة وتحقيق السلام، لا يعني تجزئة الأحداث بحيث تقتصر المطالب الألمانية على الجانب المادي وتهمل السياسي، ولعل حادثة قتل المبحوح التي جندت إسرائيل عملاءها بمنحهم جوازات سفر معظمها أوروبي، جاءت ردود الأفعال سلبية، بل بالتجاهل التام، بينما اتخذت بريطانيا رداً خجولاً بإبعاد أحد دبلوماسيي إسرائيل، وانشطار هذه المواقف بين رفض الحقوق العربية، ومبايعة إسرائيل كشريك وحليف لا نعتقد أن علاقات مختلة كهذه تؤكد سلامة هذه السياسة، والمؤلم أن الدور الأوروبي بدأ يدخل مرحلة البيات الشتوي الطويل، وكأن التنازل لأمريكا بإدارة الأزمات يخلص أوروبا من تبعية أي مسؤولية، بنفس الوقت تسعى لإيجاد منافذ للمسائل النفعية فقط.. ندرك حساسية ألمانيا من إسرائيل بعد تاريخ المحرقة، لكنّ الأخيرة تفعل بالفلسطينيين ما هو أسوأ مما جرى لليهود حتى إن غزو وتدمير غزة حُمل كوزر على الفلسطينيين بينما انتفضت كل أوروبا على خطف جندي إسرائيلي، وألمانيا لديها القدرة على تجاوز عقدة النازية برؤية أكثر تعادلاً مع مصالحها مع العرب، بل إنها اللاعب الأساسي وعلى رأس الهرم الأوروبي.. المنطق يجبرنا على ربط علاقاتنا على قيم ثابتة ومتحركة، أي أن أوروبا إذا كانت ترى في منطقة الخليج أنها أهم الأسواق الناشئة وأنها باستثناء دبي لم تحدث لها نكسة بسبب الأزمة المالية، فالموضوع لا يقف على هذه الحادثة إذا ما أردنا أن نتحرك بمجموع المصالح لا تجزئتها ، وألمانيا دولة مهمة لنا، لكنها إذا كانت تريد أن تصبح الشريك المفضل، فهناك مطالب خليجية لابد أن تحصل على نفس الاهتمام والتفاعل، ثم إذا كانت ألمانيا القوة الأهم في الحزام الأوروبي فعليها أن تأخذ دور المحرّك في القارة لا المتفرج، ولعل زيارة المستشارة ميركل قد تعطي بعض الحلول للعديد من القضايا المعقدة..