لهذا نجد أن الدول المتقدمة ، تولي أهمية خاصة إلى البيئة ، وتخصص لها وزارة أو هيئة إدارية متكاملة لحمايتها ومنع أي شكل من أشكال التعدي عليها ، وتحديد مناطق طبيعية بجوار المدن ومحل السكنى ، حتى تمتص كل التلوث الذي يضر بثروات الطبيعة والإنسان. والدولة التي لا تهتم اليوم بالبيئة وسلامتها وحمايتها ، تتعرض للكثير من المشاكل والضغوطات ويكفي أن نقول اليوم ، أن أحد معايير التقدم الكمية التي تطرحها المعايير الدولية لذلك ، هو مدى التزام الدولة والمجتمع بقوانين المحافظة على البيئة ، ومنع تلويثها أو التعدي على عناصر الطبيعة المتوفرة فيها .. ونحن هنا لا ندعو إلى تشكيل وزارة متكاملة للمحافظة على البيئة في وطننا ، وإنما كل ما نطالب به هو اهتمام كل الجهات الرسمية والأهلية بالبيئة وحمايتها ، وسن الأنظمة والقوانين التي تجرم من يتعرض أو يعتدي على الطبيعة والبيئة سواء كان شخصا أو مؤسسة ، وبناء رؤية وطنية متكاملة للمحافظة على البيئة في وطننا .. أسوق هذا الكلام في سياق عمليات الردم التي يتعرض إليها ساحلنا الشرقي .. حيث إن عمليات الردم تعرض العديد من الثروات البحرية والطبيعية للضياع ، مما يؤثر سلبا على البيئة .. فأشجار القرم التي يمتلأ بها الساحل الشرقي للمملكة تعد ثروة طبيعية كبرى ، تتعرض اليوم بفعل عمليات الردم إلى التخريب والضياع ، كما أن عمليات الردم تضر بالثروة السمكية ، حيث البيئة الخصبة لتكاثر الأسماك والروبيان .. والجدير بالذكر أن نباتات الشورى المسماة بالمانجروف والقرم تعيش على الخط الساحلي لكثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في العالم . وتتواجد نباتات الشورى السوداء الصغيرة نسبيا على طول ساحل الخليج وخاصة على ساحل خليج تاروت .. وتستخدم هذه النباتات كمصدر للفحم النباتي والخشب الخام وتستعمل أوراق هذه النباتات كبديل للشاي والتبغ وكمصدر للأدوية .. وفي تقرير صادر عن شركة أرامكو السعودية حول هذه المسألة جاء فيه : يتعرض وجود نباتات الشورى للخطر نتيجة لعمليات الردم وتصريف المخلفات الصلبة والسائلة .. ولقد دفعت مساحات كبيرة من نباتات الشورى تحت الردم وما تبقى معرض لنفس المصير .. وفي كتاب بعنوان [ أشجار القرم في دولة البحرين ] أعده الأستاذ عادل خليفة الزياني .. جاء فيه : تعتبر أشجار القرم من أهم النباتات الساحلية التي تتميز بها منطقة ما بين المد والجزر ووجودها يكون نظاما بيئيا غنيا .. ويضيف : إن النظام البيئي المميز لهذه البيئة الغنية يدفع بالأسماك والكائنات البحرية الأخرى للاستيطان فيها واستخدامها في حضانة صغارها حيث سهولة اختفائها بين النباتات وتوفر غذائها ، مما يجعل مناطق أشجار القرم أحد أهم المزارع الطبيعية للثروة السمكية .. والذي يزيد الأسى في هذا السياق ، هو وجود عوائل كاملة من مواطني المملكة وبالخصوص المنطقة الشرقية ، يعتمد في حياته على صيد الأسماك والروبيان .. ولا ريب أن عمليات الردم وتأثيراتها السلبية على هذه الثروة البحرية ، يضر بمعيشة هذه العوائل ، حيث يتعرض مصدر رزقها للضياع أو الاضمحلال .. لهذا فإننا ندعو إلى : إعادة النظر في مشروعات الردم ، حتى نحافظ على البيئة والطبيعة ، ونحافظ على مصدر رزق الكثير من العوائل السعودية التي تعتمد في معيشتها على البحر وثروته السمكية .. وإعادة النظر المطلوبة ينبغي أن تتم في سياق استراتيجية متكاملة للحفاظ على هذه الثروات وتطوير مستوى الأمان البيئي في كل المشاريع والمخططات السكنية والصناعية والخدمية .. كما أود التوضيح أن هناك أوامر سامية ، تقضي بعدم التمليك أو منح الأراضي الساحلية أو إصدار تراخيص عليها بعمق (400) م عن الشاطئ .. وهذا هو نص الأمر السامي رقم (1004) الصادر بتاريخ 20/1/1419ه .. والأمر السامي الآخر رقم (982) الصادر بتاريخ 15/9/1419ه يتضمن في فقرته الأولى أن الأصل منع الردم على الواجهات البحرية .. كما أن هناك توصية صريحة بهذا الشأن من قبل اللجنة الوطنية لحماية نبات الشورى ( القرم ) .. تطوير الجهود الوطنية الرسمية والأهلية ، التي تستهدف حماية البيئة ونظافتها ، وزراعة أشجار القرم .. فالحاجة ماسة اليوم لزراعة الآلاف من شجر القرم على طول الساحل الشرقي .. وهذا يتطلب القيام بحملات وطنية متكاملة من قبل كل الجهات والمؤسسات للقيام بهذه المهمة الوطنية الهامة.. تفعيل التشريعات والإجراءات والأنظمة ، التي تمنع عمليات الردم أو البناء القريب من سواحل البحر .. وعلى كل حال إننا بحاجة أن نحفظ الوطن في كل مجالاته وجوانبه وصيانة ثرواته البحرية وحماية بيئته وتطوير السواحل وزرعها بأشجار القرم كل هذه العناصر والعناوين من صميم حماية الوطن والمحافظة على مكتسباته ومنجزاته .. ونهيب بكل المؤسسات الأهلية في الوطن ، للاهتمام بالبيئة وزرع المساحات الخضراء وصيانة المحميات الطبيعية .. لأن هذه المهام تتطلب من الجميع العمل الفعال ، حتى تكون كل أراضي الوطن واحة خضراء ، تحمي صحة الإنسان ، وتكون مقصداً للتنزه والترفيه ، وتمتص كل عناصر التلوث التي تلفظها المصانع وعوادم السيارات وما أشبه ذلك .. إنه الواجب الوطني الذي ينبغي الالتفات إليه لأن في الالتزام به كل الخير والمنفعة لحاضر الوطن ومستقبله .. وعلى كل حال إننا بحاجة أن نحفظ الوطن في كل مجالاته وجوانبه وصيانة ثرواته البحرية وحماية بيئته وتطوير السواحل وزرعها بأشجار القرم كل هذه العناصر والعناوين من صميم حماية الوطن والمحافظة على مكتسباته ومنجزاته ..