المتأمل في التاريخ البشري يجد أنه يظهر في كل زمان من يتحدى الأعراف ويكسر القيم، لا بدافع التجديد أو الإصلاح، بل بحثًا عن الشهرة أو لفت الأنظار. وكما كان العرب في جاهليتهم يعرفون «الصعاليك» الخارجين عن قبائلهم وعاداتها وتقاليدها، يعيش عالمنا اليوم ظاهرة مشابهة يمكن أن نطلق عليها اسم «الصعاليك الجدد»، وهم بعض المشاهير الذين خرجوا عن الدين والعادات والتقاليد، وشقوا صف المجتمع في سلوكهم وكلامهم وأفكارهم. كان الصعلوك القديم رجلاً رفض قيم قبيلته من الشرف والكرم والانتماء، فاتخذ من التمرد طريقًا ومن العزلة سلاحًا، يعيش على أطراف المجتمع لا يلتزم بعاداته ولا يخضع لقوانينه. واليوم نجد بيننا من يسير على خطاهم ولكن بوسائل جديدة؛ فبدلاً من السيف والخروج إلى الصحراء، يحمل الصعلوك الجديد هاتفه وكاميرته، ويخرج إلى فضاء الإنترنت ليهدم ما بناه الآباء من قيم، ويهزأ بالمقدسات والعادات، ظانًّا أن الحرية تعني الانفلات من الأطر الدينية والاجتماعية. هؤلاء المشاهير لم يصنعوا مجدهم بجهد أو علم أو موهبة وهي القنوات التي طالما وجهنا أبناءنا نحوها لتكون قنوات التمايز الشريف، بل بتجاوزهم لخطوط الحياء والاحترام. تراهم يتفاخرون بسلوكيات غريبة عن بيئتهم، ويدعون إلى التمرد على الدين والهوية، ويظهرون بمظاهر غالباً ما تكون كاذبة، ويبررون ذلك بأنه «تطور» أو «تحرر». ومن المؤسف أن بعض المتابعين يصفق لهم دون وعي، فيزيدونهم تمادياً وانفصالاً عن قيم المجتمع. لقد صنع هؤلاء المتابعون من هؤلاء الصعاليك الحمقى مشاهير لا همّ لهم إلا الربح المادي والظهور الافتراضي، لا يحملون قضية ولا يعززون قيما وطنية، بل يسعون لجذب الأضواء بأي ثمن. هم أبناء الشهرة السريعة ومتابعوها المجهولون، يعيشون على الإعجابات والتعليقات كما يعيش الصعلوك القديم على الغزو والغنيمة. خطر هؤلاء لا يقتصر على أنفسهم، بل يمتد إلى المجتمع كله، إذ يسهمون في تمييع الهوية وإضعاف الانتماء، حتى يصبح التقليد الأعمى لهم نوعًا من «التحضُّر الزائف». ومن هنا تأتي مسؤولية الأسرة والمدرسة والإعلام في توعية الشباب أن الشهرة لا تعني الخروج على الدين والوطن، وأن الأصالة لا تتعارض مع التطور.. إننا بحاجة إلى قدوات جديدة تعيد التوازن إلى مفهوم الحرية والمسؤولية، وتجعل من التقدم وسيلة لرفع الإنسان لا لإسقاطه.. فالصعاليك الجدد ليسوا أبطالًا، بل علامات على أزمة قيم تحتاج إلى وعي جماعي لإيقافها. فالمجتمعات لا تنهض حين يعلو صوت الخارجين على الإجماع، بل حين يتمسك الناس بجذورهم ويوازنون بين الأصالة والمعاصرة. وهكذا، فإن الصعاليك الجدد هم الوجه العصري لتمرد قديم، لكن الفرق أنهم لا يعيشون في الصحراء بل في فضاء الإعلام، يقتاتون على الجدل، ويعيشون على كسر التابوات.. ونحن بحاجة إلى وضعهم في مكانهم الصحيح بدلا من تحويلهم إلى مشاهير والتصفيق لهم في كل محفل.