عندما تقرأ التاريخ وتطالع في الكتب والسير، تستثيرك قصص قادة كان لهم عظيم الأثر في النفع المتعدي وغيروا بوصلة حياة أتباعهم والبشرية إلى الأفضل، فخلدهم التاريخ، وسُطرت أسماؤهم في الكتب والدفاتر منذ مئات السنين، فما قصة هؤلاء القادة؟! وكيف امتد تأثيرهم على الأجيال عبر الأزمنة المتعاقبة؟! ما الصفات التي كانوا يمتلكونها؟! وهل هم وُلِدوا كقادة أم تم صناعتهم من خلال التعلم والتجربة، أم لديهم قدرات بشرية استثنائية؟! إن من أعظم القادة الذين عرفهم التاريخ هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، النبي الأمي الذي استطاع أن يقود الأمة بما لديه من رسالة ربانية ويؤثر فيهم بما يمتلكه من كاريزما قيادية، فاستجاب له الصغير والكبير، وأحبه الجميع، وخلفه من بعده رجال استطاعوا أن يكملوا المسيرة ويبلغوا بها الآفاق عبر الأزمنة الممتدة من الصحابة والأتباع مثل أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما وغيرهما من الذين كانت لهم الكاريزما القيادية التي أثروا بها في البشرية على مر التاريخ. ومن الشخصيات القوية المؤثرة في العصر الحديث الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، الذي استطاع أن يبني دولة قوية من خلال ما كان يمتلكه من فكر وإلهام ورؤى وثقة وقيم أخلاقية؛ حيث تمكن في فترة وجيزة من توحيد البلاد وجمع القبائل على قلب رجل واحد في زمن كانت تسوده الفتن والنعرات القبلية والشتات في جزيرة العرب. إن القادة المؤثرين الذين تم ذكر بعضهم هم القادة التحويليون الذين استطاعوا أن يغيروا في الأفراد ويحولونهم إلى مجموعات فاعلة في المجتمع لها رؤى وأفكار وأهداف مشتركة، يتبادلون المنافع ويتخذون قراراتهم بصورة جماعية تربطهم الروابط الأخلاقية مع أتباعهم، ولديهم الكاريزما المؤثرة في الحديث والذكاء والفطنة والعدالة وسعة الأفق، يلهمون أتباعهم ويجعلونهم يتبعونهم بإيمان وإذعان، تأثيرهم يتعدى محيطهم الخاص بهم ودورهم المحوري في التعجيل في حدوث التغيير والرغبة الجامحة في إحداث الأثر والشغف بتحقيق الطموح والرسالة التي يؤمنون بها، فهم أشخاص يملكون من الخصائص التي تمكنهم من القيام بأشياء غير عادية ويتصرفون بطرق فريدة ذات أثر كارزمي. فخارطة الطريق لديهم واضحة ورؤيتهم واسعة، فهم قد يكونون في قيادة الدول أو المؤسسات وربما علماء أو وزراء أو مؤثرين في محيطهم. في كتاب القيادة الإدارية النظرية والتطبيق للمؤلف بيتر نورث هاوس، ذكر جملة من خصائص القادة التحويليين الذين أثروا في أتباعهم وذكر أنهم يختلفون عن القادة التبادليين الذين يتبعهم الأتباع لأجل المصلحة الخاصة، وكان من أهم عوامل قيادتهم الاهتمام بالأفراد في تعليمهم وتوجيههم وبناء قدراتهم والرفع من همتهم، وكذلك الدافعية الإلهامية في توحيد الأتباع نحو الهدف وإلهامهم رؤية مشتركة وتحفيزهم، وكذلك التأثير المثالي للأتباع بما يمتلكونه من كاريزما تجعل تصرفاتهم نموذجية واضحة وسلوكياتهم الأخلاقية عالية، ويفرضون احترامهم بما لديهم من معتقدات توافق تطلعات الأتباع، وكذلك يمتلكون الحفز الذهني بتبني أساليب وطرق ابتكارية للتعامل مع القضايا التنظيمية وحل المشكلات، فالقادة التحويليون في كل مكان يوجدون الثقة في أتباعهم من خلال جعل مواقفهم الخاصة معروفة وواضحة، ويهدفون إلى رفع الهمة والوعي لديهم، وجاذبيتهم بديهية، في موقف ملهم تناقله أبناء شعبنا وجعلوه شعاراً لهم عن تصرف قيادي جميل من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع سمو أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال، كان ذلك الموقف عبارة عن رسالة في وسيلة تواصل اجتماعي لعرض بناء وتشييد مطار أبها الجديد، والتواصل كان بين سمو ولي العهد وسمو أمير منطقة عسير، والذي يقرأ المشهد والرسالة المتناقلة بينهما يشعر بفخر، حيث كان فيها من الصفات القيادية الملهمة من التحفيز واتخاذ القرار والتفاعل والتواصل الفعال والذكاء العاطفي والتشجيع من سمو ولي العهد، تلك الرسالة مدرسة ومادة تدريبية في سطور، ذلك الموقف تناقلته وسائل الإعلام والتواصل بين المواطنين لدلالته على القيادة الأخلاقية التحويلية، وجعلوا شعار السيفين والنخلة رمزاً للإعجاب والفخر في وسائل التواصل الاجتماعي، فنسأل الله أن يحفظ قادتنا وعلماءنا وشعبنا، وأن يجعل بلادنا بلاد خير وبركة على الأمة الإسلامية. مشاري بن محمد بن دليلة