الأصل أن الإعلام رسالة قبل أن يكون مهنة، أي أن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها المرئية والمسموعة والمكتوبة يقع على عاتقها دور تربوي في غاية الأهمية، ويجب على سبيل الفرض لا الكفاية أن تنطلق في أي كلمة تكتب أو مشهد يبث من رسالة الإعلام السامية التي يفترض أن تحمي فكر المجتمع وترفع وعيه الإعلامي بما له وما عليه. فصَّلت في مقال سابق بأن الإعلام لم يعد السلطة الرابعة بل السلطة الأولى، أعني بذلك قوة تأثير الإعلام ليس في الوعي المجتمعي، بل إن قوة تأثير الإعلام قادرة على تشكيل الوعي المجتمعي والرأي العام، وهنا تكمن أهمية مراعاة قيم المجتمع، وأرى ذلك فرض عين على كل وسيلة إعلامية وليس فرض كفاية، فلا يسقط عن وسيلة إذا قامت به أخرى. بعيداً عن التصنيف الأكاديمي للبرامج واللقاءات سواء من ناحية نوع ومحتوى البرنامج، أو من ناحية دورية بثه، أو حتى من ناحية الوسيلة الإعلامية المستخدمة، فإني في هذا المقال سأركز على مذهب آخر أراه مُمارساً بشكل مباشر وغير مباشر، وفي بعض الأحيان قد تحتاج منك ملاحظته أن تكون قريباً من الإعلام تصوراً وممارسة. أود الإشارة في البداية إلى أن غالبية وسائل الإعلام وإن بدت جاهدة في تحمل مسؤوليتها في رفع الوعي الإعلامي للمجتمع إلا أنها لم تستطع -من وجهة نظري- التخلص من تأثير الجيل الذي صنعته مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ألقى بظلاله على نوعية البرامج التي تراها الوسيلة الإعلامية مناسبة ومتماشية مع ما يريده المشاهدون باختلاف رغباتهم وتنوع مستواهم المعرفي، والتفاوت العُمري بينهم. هناك بعض الوسائل الإعلامية التي تحاول الحفاظ على مستوى معين من جودة البرامج، سواء في نوع المحتوى، أو على مستوى الأشخاص، مثل مقدم البرنامج والضيف، ولكنها قد تتنازل أحياناً عن هذا المستوى في بعض البرامج واللقاءات أو بعض الحلقات، فعلى سبيل المثال يمكن أن تسمح باستضافة مشهور -وليس بالضرورة مؤثراً- تعتبر وجوده مساهماً في رفع المشاهدات ونسبة الإعلانات وهي تعلم أن طرحه لا يضيف معرفة للمشاهد، ويمكن في بعض الأحيان أن تسمح بطرح بعض المواضيع التي تحرك الشعور وتستفز الوعي وربما المعتقد. الإعلامي المبدع هو في الغالب جمع بين الحسنيين (الدراسة والممارسة)، وبالتالي المجال الإعلامي البقاء فيه للمبدع أكثر، فحملك لشهادة الدكتوراه في الإعلام لا يعني أنك إعلامي إذا لم تعزز ذلك بالممارسة، وهناك نماذج إعلامية كثيرة بارزة نجحت لأنها تمتلك الموهبة معززة بالممارسة والتعلم، ومع ذلك يمكن أن نرى وسيلة إعلامية تستقطب مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم البرامج معتمدة في نجاح البرنامج ومردوده المادي على شهرتهم بغض النظر عن المحتوى الهادف. إن المردود المادي للوسائل الإعلامية لا يقل أهمية عن المردود المعرفي، وبالتالي فإنها تعمل بأساليب متنوعة، ومذاهب متعددة تضمن لها استمرارية وديمومة تأثيرها، فقد نرى طرح موضوع مستفز وغير هادف أو استضافة مشهور غير مؤثر، ولكن ضرورة المشاهدات عند وسائل الإعلام قد تبيح الممتنع. أهل التجارة شعارهم «العميل أولاً» ودائماً على حق ولو كان مخطئاً، على أمل أن تنطلق وسائل الإعلام في برامجها من مبدأ (قيم المجتمع أولاً)، وأن لا تُغلب المردود المادي على المردود المعرفي للمجتمع.