لعل من النافلة القول بأن الإعلام قديم قدم الحياة، فقد رافق الإنسان منذ وجوده، فكانت وسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة المستخدمة على مر العصور قبل العصر الحديث بدائية وبسيطة شأنها شأن الحياة الإنسانية نفسها، فالنحت على الصخر والكتابة على جريد النخل والنداء بالأبواق ممارسة للإعلام بوسائل بدائية. عندما نتحدث عن الإعلام بمفهومه الأكاديمي فلا مناص من الإشارة إلى تلك الطفرة الصحفية التي ظهرت منتصف القرن التاسع عشر، وماتلاها من تطور هائل في المجال التقني ألقى بظلاله على الصحافة، تأثير تجاوز حدود الممارسة الصحفية إلى ظهور وسائل إعلامية جديدة كالإذاعة والتلفاز لاحقا، لنصل اليوم إلى الإعلام الرقمي الذي أصبح العالم معه قرية واحدة، وقلَّص كل الفجوات الجغرافية والاجتماعية والثقافية. إن العالم لم يحتج الكثير من الوقت ليدرك حقيقة حجم تأثير الإعلام بمختلف وسائله على الرأي العام والوعي المجتمعي، فظهر مصطلح «السلطة الرابعة» ليبرز أهمية الإعلام، ليس فقط في جانب التأثير على الرأي العام بل تشكيله وحتى توجيهه. فإذا كان الإعلام في بداية ظهوره وبدائية وسائله في الوقت نفسه كان السلطة الرابعة، فكيف به اليوم في ظل التطور التقني الهائل جدا وعصر الذكاء الاصطناعي؟ وهنا نشير إلى الربط الخاطئ أحيانا لمفهوم السلطة الإعلامية بالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية واعتباره الرابع، فالمقصود هنا قوة التأثير لا الدلالة الاصطلاحية. إن ظهور وسائل الإعلام الرقمي كمواقع التواصل الاجتماعي سهَّل ممارسة الإعلام من جهة، ومن جهة أخرى خفف من مراعاة الضوابط والمبادئ الإعلامية، وساهم في غياب المهنية في أحيان كثيرة، فالمستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي لا يحتاج مراعاة غير مبادئه، فيستطيع وهو جالس في مكانه أن يمتلك وسيلة إعلامية تحقق له انتشارا واسعا -وليس بالضرورة تأثيرا- ويكون هو الكاتب والمحرر والمخرج والمصور. إن الدول العظيمة حكومة وشعبا كالمملكة العربية السعودية تدرك أهمية الإعلام، فالحكومة عظيمة في رؤيتها الإعلامية لبناء وعي إعلامي مجتمعي، وشعب «طويق» العظيم يملك من المعرفة والوعي مايشكل مصفاة للمحتوى الإعلامي، حفاظا على الأمن المعرفي والفكري للمجتمع.