لماذا نهدر الكثير من الطعام في شهر الصيام؟ أليس رمضان شهر الصيام؟ أليس هو الشهر الذي يفترض أن نأكل فيه أقل من غيره، ونكثر فيه من الصلاة والعبادات، وننفق على أنفسنا أقل من غيره، ونعطي المحتاجين فيه أكثر؟ في الليلة التي سبقت دخول شهر رمضان، دخلت إلى "الهايبر ماركت" للحصول على الطعام الذي أحتاجه، كان المتجر مكتظًا بالأشخاص الذين يقومون بشراء الإمدادات اللازمة لهذا الشهر، بإلقاء نظرة سريعة على معظم عربات "السوبر ماركت" المثقلة بما لذ وطاب، تمكنت من رؤية جميع أنواع الطعام: الأرز والمعكرونة وعلب هذا وذاك وصناديق الحلوى والفواكه والخضروات.. والقائمة تطول. في كل مكان في "الهايبر ماركت" كانت هناك العديد من العروض الخاصة والعروض الترويجية للأغذية المتاحة خلال شهر رمضان، اشترِ زجاجتين من زيت عباد الشمس واحصل على واحدة إضافية مجانًا، أو اشتر أربع علب جيلو أو كريم كراميل واحصل على الخامسة كهدية، أو احصل على العديد من المنتجات. عناصر أخرى في عبوات وبأقل من سعرها المعتاد، تحمل العديد من المنتجات الغذائية عبارة "رمضان كريم" مكتوب عليها رسوم توضيحية للفوانيس والمساجد والأهلة. هذا المشهد مألوف كل عام في هذا الوقت، ولكن في كل مرة أراه لا يسعني إلا أن أتساءل: أليس رمضان شهر الصيام؟ أليس هو الشهر الذي يفترض أن نأكل فيه أقل من غيره، ونكثر فيه من الصلاة، وننفق على أنفسنا أقل من غيره، ونعطي المحتاجين فيه أكثر؟ خلال الشهر الفضيل، تميل الأسر والمطاعم والفنادق إلى إعداد طعام أكثر مما يتم استهلاكه. ولسوء الحظ، عادة ما ينتهي جزء كبير من هذا الطعام في مكب النفايات، وعلى الرغم من الدعوات المستمرة من الجهات ذات العلاقة للحد من هدر الطعام خلال شهر رمضان، إلا أن كمية الطعام التي يتم التخلص منها لا تزال هائلة. يلعب الطعام دورًا مهمًا في ثقافة المملكة العربية السعودية، فهو بمثابة مصدر للعيش ورمز للهوية الثقافية، تقليديًا، يُنظر إلى استعراض الكميات الكبيرة للطعام في المناسبات على أنها تمثيل للثراء، وغالبًا ما تدور التفاعلات الاجتماعية حول الوجبات. تتمتع المملكة، وليس في شهر رمضان فقط، بواحد من أعلى معدلات هدر الطعام في العالم. وبحسب دراسة "خط الأساس للمملكة" التي أجراها البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء، بلغت نسبة الفقد والهدر في الغذاء بالمملكة نحو (33 %) بما يعادل (4) ملايين طن سنويًا، فيما تقدر قيمة الهدر بنحو (40) مليار ريال سنويًا. من ناحية أخرى، تظهر إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن ما لا يقل عن 1.3 مليار طن من الغذاء يتم إهدارها كل عام في جميع أنحاء العالم، مع الاعتراف بأن منطقة الشرق الأوسط بما فيها المملكة العربية السعودية كمساهم غير متناسب. وتشير التقديرات إلى أنه يمكن إطعام منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بأكملها إذا تم توفير كمية مماثلة من الغذاء. إن الآثار الوخيمة لفقد الغذاء وهدره على المستويات الاقتصادية والصحية والاجتماعية والبيئية تسلط الضوء على فقدان الموارد التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من عملية إنتاج الغذاء، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في البلدان ذات الموارد المحدودة التي تكافح من أجل استيراد السلع لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية. تعمل المملكة على تعزيز استدامة الموارد الطبيعية، وتحسين نظم الاستهلاك، لتقليل نسبة الفقد والهدر إلى حدود 10 % بحلول عام 2030م، وتم إطلاق العديد من الحملات للتوعية بأهمية السلوك الاستهلاكي الرشيد، حيث شهدت الحملات تفاعلاً كبيراً من أفراد المجتمع والجهات الحكومية والخاصة من منطلق المسؤولية المجتمعية والتي تنبع من منظور ديني ومجتمعي ووطني للتحفيز على الحد من الهدر الغذائي. وبالنسبة للأفراد، يمكن أن يعود تقليل الهدر إلى تغييرات صغيرة في عادات التسوق وتناول الطعام على مدار العام، خاصة في شهر رمضان. يجب على الأسر قياس حصص الطعام التي يستهلكونها لمعرفة الكمية الدقيقة من الطعام الذي يحتاجون إلى شرائه وطهيه. ومن الأفضل أيضًا شراء الأطعمة الطازجة كل يوم أو أسبوع، بدلاً من الإسراع في الليل قبل شهر رمضان لشراء الطعام للشهر بأكمله. أخيراً، نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر مراعاة للآخرين وللبيئة التي نعيش فيها، وأن نشجع الآخرين على أن يفعلوا الشيء نفسه، فالمعنى الحقيقي للصيام هو تجربة الجوع، وأن يشعر الفرد بالتواضع والرحمة تجاه الفقراء. في بعض الأحيان كل ما نحتاجه هو التذكير.. رمضان كريم.