منذ أن بدأت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في عام 2022، قدمت الولاياتالمتحدة وحلفائها مستويات تاريخية من الدعم لكييف، وتم فرض أكبر شبكة عقوبات على الإطلاق تم فرضها على أي دولة، وحشد المجتمع الدولي لمعارضة عدوان الكرملين في الأممالمتحدة وغيرها من الهيئات الدولية. ومع ذلك، فإنه على الرغم من القوة الجديرة بالثناء لهذه الاستجابة، تسعى الولاياتالمتحدة جاهدة حتى الآن لتحديد الهدف العام لدعمها لكييف بوضوح. وفي تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية ، يقول أرتور كالانداروف، الخبير وعضو مجموعة كوهين للاستشارات الاستراتيجية، التي يرأسها وزير الدفاع الأميركي الأسبق وليام كوهين إنه على الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كانت على صواب عندما قالت إن شروط وظروف أي مفاوضات يجب أن تحددها أوكرانيا، فإن الهدف الأساسي لدعم أميركا لأوكرانيا -والذي غالباً ما يعبر عنه الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي وغيره من المسؤولين الأوكرانيين- يجب أن تحدده الولاياتالمتحدة لحلفائها وخصومها على السواء: وهو انسحاب القوات الروسية من كل الأراضي الأوكرانية المحتلة. إن ذكر هذا بوضوح وبشكل متكرر لن يكون خطوة غير مسبوقة. خلال الغزو السوفيتي لأفغانستان (1979-1989)، كانت قوة الولاياتالمتحدة تتمثل في ثبات هدفها الرئيسي عبر ثلاث إدارات رئاسية: وهو أنه يتعين على الاتحاد السوفيتي سحب قواته من كل الأراضي الأفغانية المحتلة. وفي ديسمبر عام 1979، عندما بدأ غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان وقيامه بتنصيب حاكم شيوعي في كابول، أمر الرئيس جيمي كارتر بتقديم دعم عسكري للمتمردين الأفغان وطالب بأن يسحب الكرملين كل قواته من أفغانستان. وطوال عقد الثمانينات، وسع الرئيس رونالد ريغان الدعم العسكري وتعهد كثيرا بالتزام الولاياتالمتحدة بمعارضة العدوان السوفيتي حتى اكتمال انسحاب القوات السوفيتية. وأشار كالانداروف إلى أنه حتى في شهر فبراير 1989، وبينما كان آخر الجنود السوفيت يغادرون أفغانستان، رفض الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الالتزام بإنهاء الدعم الأميركي للمتمردين الأفغان الذين عارضوا الحكومة المدعومة من السوفيت. وعلى الرغم من الظروف العالمية والسياسية الخارجية المختلفة، أكد الرؤساء كارتر وريغان وبوش بثبات أن الدعم الأميركي سوف يستمر إلى أن يغادر كل الجنود أفغانستان. وقد أقنعت هذه الاستراتيجية في نهاية المطاف القيادة السوفيتية بأن وضعها في أفغانستان لا يمكن الدفاع عنه. واعتبر كالانداروف أن الوضوح الذي تميزت به السياسة الأميركية إزاء الغزو السوفيتي لأفغانستان، لم يظهر في النهج الحالي إزاء روسيا. وعلى مدار العامين الماضيين، قدم وزراء الحكومة الأميركية أهدافا غامضة ومتغيرة لسياستهم. في أبريل 2022، قال وزير الدفاع لويد أوستن إن هدف أميركا هو تحقيق أوكرانيا للنصر ومنع روسيا من القيام بأي عمليات غزو جديدة. في المقابل، في مايو 2022، حدد الرئيس الأميركي جو بايدن، في مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز، هدف السياسة الأميركية بأنه العمل على ضمان قدرة أوكرانيا من "ردع أي عدوان جديد والدفاع عن نفسها ضده". وبعد عام، ظلت الأهداف الأساسية غير واضحة. وفي مارس 2023، خلال القمة الثانية للديمقراطية، أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن دعمه لصيغة زيلينسكي للسلام -والتي تشمل انسحاب الجنود الروس من أراضي أوكرانيا- لكنه أكد في تصريحاته فقط أن السلام يجب أن يكون "عادلاً ودائماً". وفي يونيو 2023، خلال كلمة طويلة في هلسنكي، جدد بلينكن التأكيد على الدعم الأميركي لدفاع أوكرانيا عن سيادتها وأشار إلى أن الدعم سيستمر "مهما طال الأمر"، لكنه لم يصل إلى حد التعبير بشكل مباشر عن دعم انتصار أوكرانيا. وعلى النقيض من هذه التصريحات، فأنه عندما سئل وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتس في عام 1985 عن إمكانية التوصل إلى تسوية من خلال التفاوض لغزو أفغانستان، أكد بشكل حاسم "الشيء الأساسي، هو التعامل مع مشكلة القوات السوفيتية في أفغانستان وانسحابها. هذا هو الأساس. وبعد ثلاثة أعوام، وفي إطار اتفاقية الانسحاب التي تم التوصل إليها بوساطة الأممالمتحدة، أكد شولتس مجددا أن الخروج السوفيتي "ضروري" لدعم الولاياتالمتحدة لتسوية سياسية. نفس هذا المستوى من اتساق وثبات السياسة ضروري اليوم. وكما هو الحال في العديد من الصراعات المسلحة، فإن وجود هدف جريء ومعلن بوضوح لا يتطلب معرفة دقيقة لكيفية تحقق النتيجة النهائية المرغوبة. وطول ثمانينيات القرن الماضي، لم يتوقع المسؤولون الأميركيون أن يكمل الاتحاد السوفيتي انسحابا منظما من أفغانستان بحلول نهاية العقد، وما تبعه بعد أقل من ثلاثة أعوام من انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي الواقع، حتى عندما شنت القوات السوفيتية هجمات ناجحة، وبدا أنه من الممكن القضاء على المقاومة الأفغانية، واصل المسؤولون الأميركيون المطالبة بانسحاب سوفيتي كامل ودعم المحاربين الأفغان. اليوم، بعد الإعراب عن التزامهم بسيادة أوكرانيا، يجب أن يعلن المسؤولون الأميركيون أن النصر الأوكراني هو الهدف الرئيسي النهائي. واختتم المحلل السياسي كالانداروف تقريره بالقول إنه من خلال التأكيد بوضوح أن وجود القوات الروسية داخل حدود أوكرانيا سيظل غير مقبول، ستنجح الولاياتالمتحدة في تحسين فهم التزامها إزاء أوكرانيا ومن المأمول فيه هو أن تقوم- بمرور الوقت- بزرع الشك في الكرملين بشأن احتمالات النجاح. والأمر الحاسم هو أنه عندما يتم توضيح هدف السياسة، سيكون من الأسهل أن يتم معرفة ما إذا كانت أفعال الولاياتالمتحدة وحلفائها ترقى إلى الهدف الرئيسي الذي يسعون إلى تحقيقه.